في الصيف
د. عبدالجواد عباس
هو من الفصول المحببة لدى كثير من الناس ، ففيه تكثر الحركة في القرى والمدن ، وفيه يُنفــّذ الناس ما عندهم من أعمال حياتية مؤجلة كان فصل الشتاء قد منعهم إيـّاها .. وفيه تقام معظم أفراح الزواج .. يسافر فيه الناس ويقررون خلاله الحصول على إجازاتهم لسهولة التنقل والسفر، فقد يتحكم الإنسان في الحر بشتى الوسائل والطرق فلا يؤذيه كثيرا ، لكن الشتاء ببرده القارس ورياحه الهوجاء يعرقل الحركة وتبقى الناس في دُورها فلا يمكنهم عمل الكثير .. وفي فصل الصيف يرتاد الناس البحار فتكتظ الشواطئ ، ويقيم بعضهم قرب السواحل طلبا للجو العليل والنسيم الرطب ، فحبذا شمس وبحر.
في فصل الصيف تزدهر بعض الأعمال الموسمية خاصة المطاعم والمقاهي التي تستجد على شواطئ البحر ، وتزدهر أعمال كثيرة حتى داخل المدن والقرى لكونها قرب المصايف ..وخلاله يستطيع أصحاب الآليات الكبيرة تشغيل سياراتهم وجراراتهم أكثر مما لو كانوا في فصل الشتاء الذي يتعرضون فيه لبطالة مقنــّـعة قد تستمر لأشهر .
كان عرب قريش في الجاهلية يرحلون في الصيف إلى بلاد الشام لشراء ما يلزمهم من عروض التجارة .. وبلاد الشام تقع شمال الجزيرة ، وعندما يتوجهون إليها في الصيف تخفف الرياح الشمالية من حدة الحر ، وبالمقابل يوجهون رحلتهم في الشتاء إلى اليمن عبر الصحراء حتى لا يشعرون بالبرد الشديد فيما لو توجهوا شمالا ، ولهم في ذلك أسباب تجارية أخرى .
في الصيف يقبل الناس على السهر ، فتراهم منتشرين هنا وهناك يبتردون ويجلسون جماعات وفـُرَادَى في المنتديات والمقاهي وداخل المنازل ، لا تزعجهم الملابس الثقيلة ، ولا السعي وراء وسائل التدفئة سواء لأنفسهم أو لضيوفهم ، ولذلك فضيف الصيف هو أكثر حظا وقابلية من ضيف الشتاء .
في الصيف تنضج معظم الثمار من فاكهة وخضر ، وينتظر الزّراع هذا الفصل بأمل كبير ، فما أن يأتي حتى تهجم منتوجاتهم على الأسواق ، وقد يستعجل بعضهم فيقطف ثماره قبل استواء نضجها بحجة أن الطير ينقرها أولا بأول متى رآها طازجة في الشجرة .
في الصيف تكثر الرحلات بمختلف وسائل المواصلات ، ويحبذ شباب الكشافة وغيرهم من هواة المشي وحبّ الترحال المضي إلى أماكن بعيدة سيرا على الأقدام ، ويضربون خيامهم متى شاءوا في الصحراء أو الغابات أو على شواطئ البحار ، ويبيتون في العراء دون أن يمسهم أذى البرد .
في الصيف يشتد الطلب على الماء فيستهلك للنظافة وتلطيف الجو وأكثره للشرب وإطفاء الظمأ ، ولذلك كان العرب يطلقون اسم القيظ على فصل الصيف ، لأن الماء يقل عندهم في هذا الفصل ، كما يقل اللبن أيضا ويكون عزيزا ذي قيمة ، ولذلك ورد في الأمثال العربية قولهم :(في الصيف ضيعتِ اللبن) ، وهو يُضرب لمن يطلب شيئا ثم أضاعه على نفسه بسوء تصرفه .. كما يقولون : (سحابة صيفٍ عمّا قليلٍ تقشـّـعُ) للأمر الذي لا يستمر كثيرا...
في الصيف يزداد الإبحار ورسو السفن في الموانئ ، لأن في الشتاء تضعف الملاحة خاصة قرب السواحل ، ولا تستطيع السفن الاقتراب ، بل تظل في عرض البحر ولا تـُـقدم إلا إذا رأت ميناءً كبيرا يستوعبها .. أما الموانئ الصغيرة الموسمية فلا تستطيع استقبال السفن إلا في فصل الصيف وليس ذلك فحسب ، إنما تستطيع قوارب الصيد الصغيرة في القرى الساحلية الخروج عدة مرات في الأسبوع لانتشال الشباك والخيوط من أماكن الصيد ، كما تكثر على الشواطئ قوارب التجديف والتزلـّـج ومختلف الرياضات البحرية .
وفصل الصيف ـ كسائر فصول السنة ـ لا ينقطع عن العالم أبدا ؛ فإذا انتهى في مكان يظهر في مكان آخر ، فإذا كان هناك مناطق بها شتاء في الشمال يقابلها مناطق بها صيف في الجنوب ، والعكس بالعكس ، ذلك من رحمة الله ، إلا أن الصيف في المناطق الاستوائية حار جدا ، أما شتاؤها فلا برد فيه ، ومن اليسير مشاهدة الناس شتاءً في تلك المناطق وأجسامهم عارية إلا من سراويل قصيرة ، ولا يهتمون للمطر الغزير وهم يشتغلون دائبين في أعمالهم ، بل ربما نهلت أجسادهم بالعرق دونما أي إحساس بالبرد ، فسبحان الله .
د. عبدالجواد عباس
هو من الفصول المحببة لدى كثير من الناس ، ففيه تكثر الحركة في القرى والمدن ، وفيه يُنفــّذ الناس ما عندهم من أعمال حياتية مؤجلة كان فصل الشتاء قد منعهم إيـّاها .. وفيه تقام معظم أفراح الزواج .. يسافر فيه الناس ويقررون خلاله الحصول على إجازاتهم لسهولة التنقل والسفر، فقد يتحكم الإنسان في الحر بشتى الوسائل والطرق فلا يؤذيه كثيرا ، لكن الشتاء ببرده القارس ورياحه الهوجاء يعرقل الحركة وتبقى الناس في دُورها فلا يمكنهم عمل الكثير .. وفي فصل الصيف يرتاد الناس البحار فتكتظ الشواطئ ، ويقيم بعضهم قرب السواحل طلبا للجو العليل والنسيم الرطب ، فحبذا شمس وبحر.
في فصل الصيف تزدهر بعض الأعمال الموسمية خاصة المطاعم والمقاهي التي تستجد على شواطئ البحر ، وتزدهر أعمال كثيرة حتى داخل المدن والقرى لكونها قرب المصايف ..وخلاله يستطيع أصحاب الآليات الكبيرة تشغيل سياراتهم وجراراتهم أكثر مما لو كانوا في فصل الشتاء الذي يتعرضون فيه لبطالة مقنــّـعة قد تستمر لأشهر .
كان عرب قريش في الجاهلية يرحلون في الصيف إلى بلاد الشام لشراء ما يلزمهم من عروض التجارة .. وبلاد الشام تقع شمال الجزيرة ، وعندما يتوجهون إليها في الصيف تخفف الرياح الشمالية من حدة الحر ، وبالمقابل يوجهون رحلتهم في الشتاء إلى اليمن عبر الصحراء حتى لا يشعرون بالبرد الشديد فيما لو توجهوا شمالا ، ولهم في ذلك أسباب تجارية أخرى .
في الصيف يقبل الناس على السهر ، فتراهم منتشرين هنا وهناك يبتردون ويجلسون جماعات وفـُرَادَى في المنتديات والمقاهي وداخل المنازل ، لا تزعجهم الملابس الثقيلة ، ولا السعي وراء وسائل التدفئة سواء لأنفسهم أو لضيوفهم ، ولذلك فضيف الصيف هو أكثر حظا وقابلية من ضيف الشتاء .
في الصيف تنضج معظم الثمار من فاكهة وخضر ، وينتظر الزّراع هذا الفصل بأمل كبير ، فما أن يأتي حتى تهجم منتوجاتهم على الأسواق ، وقد يستعجل بعضهم فيقطف ثماره قبل استواء نضجها بحجة أن الطير ينقرها أولا بأول متى رآها طازجة في الشجرة .
في الصيف تكثر الرحلات بمختلف وسائل المواصلات ، ويحبذ شباب الكشافة وغيرهم من هواة المشي وحبّ الترحال المضي إلى أماكن بعيدة سيرا على الأقدام ، ويضربون خيامهم متى شاءوا في الصحراء أو الغابات أو على شواطئ البحار ، ويبيتون في العراء دون أن يمسهم أذى البرد .
في الصيف يشتد الطلب على الماء فيستهلك للنظافة وتلطيف الجو وأكثره للشرب وإطفاء الظمأ ، ولذلك كان العرب يطلقون اسم القيظ على فصل الصيف ، لأن الماء يقل عندهم في هذا الفصل ، كما يقل اللبن أيضا ويكون عزيزا ذي قيمة ، ولذلك ورد في الأمثال العربية قولهم :(في الصيف ضيعتِ اللبن) ، وهو يُضرب لمن يطلب شيئا ثم أضاعه على نفسه بسوء تصرفه .. كما يقولون : (سحابة صيفٍ عمّا قليلٍ تقشـّـعُ) للأمر الذي لا يستمر كثيرا...
في الصيف يزداد الإبحار ورسو السفن في الموانئ ، لأن في الشتاء تضعف الملاحة خاصة قرب السواحل ، ولا تستطيع السفن الاقتراب ، بل تظل في عرض البحر ولا تـُـقدم إلا إذا رأت ميناءً كبيرا يستوعبها .. أما الموانئ الصغيرة الموسمية فلا تستطيع استقبال السفن إلا في فصل الصيف وليس ذلك فحسب ، إنما تستطيع قوارب الصيد الصغيرة في القرى الساحلية الخروج عدة مرات في الأسبوع لانتشال الشباك والخيوط من أماكن الصيد ، كما تكثر على الشواطئ قوارب التجديف والتزلـّـج ومختلف الرياضات البحرية .
وفصل الصيف ـ كسائر فصول السنة ـ لا ينقطع عن العالم أبدا ؛ فإذا انتهى في مكان يظهر في مكان آخر ، فإذا كان هناك مناطق بها شتاء في الشمال يقابلها مناطق بها صيف في الجنوب ، والعكس بالعكس ، ذلك من رحمة الله ، إلا أن الصيف في المناطق الاستوائية حار جدا ، أما شتاؤها فلا برد فيه ، ومن اليسير مشاهدة الناس شتاءً في تلك المناطق وأجسامهم عارية إلا من سراويل قصيرة ، ولا يهتمون للمطر الغزير وهم يشتغلون دائبين في أعمالهم ، بل ربما نهلت أجسادهم بالعرق دونما أي إحساس بالبرد ، فسبحان الله .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق