السبت، 26 نوفمبر 2011

لا مولد سوى المولد النبوي

لا مولد سوى المولد النبوي


د. عبدالجواد عباس



يعتبر من العادات السيئة والتقليد الأعمى أن تحتفل طائفة من الناس بأعياد ميلادهم، فهذا الذي نراه عند بعض الأسر ـ غنيها وفقيرها، متعلمها وجاهلها ـ من إحياء لأعياد ميلادهم أو ميلاد أبنائهم هو مخالفة صريحة للسلف الصالح وإجماع الفقهاء، بل هو من قبيل المباهاة والتقليد الأعمى للغرب.. لكن المستحب أن نقتصر فقط علي الاحتفال بمولد منقذ البشرية محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا نحتفل بمولد أيٍ كان سواه ؛ ليبقى هذا الشرف خالصا له وحده دون غيره، عيد نحتفل به جميعا، عيد ميلاد لا كأعياد الناس.. لم يكن أسلافنا الأوائل يحتفلون بأعياد ميلادهم، اقتصروا فقط في العصور الإسلامية المتأخرة علي إحياء المولد النبوي بمفرده، امتنعوا عن إحياء أعياد ميلادهم ليجعلوها خصوصية للرسول وتشريفا له.

وقد دأب المسلمون في إحياء عيد المولد النبوي، لأن هذا المولد يختلف عن مولد أي شخص مهما كان رفيع الشأن. وليس من الأدب أن يشارك الرسول أحد في هذا الاحتفال، لأنه النبي الذي اختاره الله لهداية البشرية وإنقاذها من ظلام الكفر إلى ضوء الإيمان، فله علينا الفضل الكبير مما يوجب طاعته والهداية بهديه والرضا بما جاء به من قول أو فعل ، حتى ولو لم يكن موجها لنا مباشرة في هذا العصر، لكنه درس مستفاد، نسترشد به علي سبيل القياس عليه والعظة به ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ).

ألا يحق لنا أن نحتفل بميلاد من بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة، وقد تحمل في سبيل ذلك الطرد والاضطهاد والجوع والعطش، تحمل الاستهزاء والسخرية والتكذيب، حتى من أقرب الناس إليه، لكنه ثبت علي المبدأ الذي أمره به ربه.. ألا يحق له أن يكون عيد المولد خالصا له وحده ؟‍‍

إن احتفالنا بعيد ميلاد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعبر عن مظاهر حبنا له وتقديرنا لعمله العظيم الذي لو نفّذه الناس علي الوجه الأكمل لكانوا أسعد الأمم ( تركتُ فيكم ما أن أخذتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنة رسوله ).. والنبي تلقى الرسالة في وقت كانت البشرية في أشد طغيان الشرور ؛ فالأخلاق في قمة الفساد، والمجتمع الإنساني آيل للتفكك والانحلال، ومشوه بالديانات الفاسدة كالوثنية في الجزيرة والمزدكية والزرادشتية في فارس، كأول شيوعية في العالم.. فلولا الرسالة وانتشارها شرقا وغربا لقضي علي المجتمع البشري بهذه الديانات التي كانت تفرض بالقوة .

فلا عجب إذن أن نحتفل بعيد ميلاده الشريف، وأن نخصه وحده بهذا الشرف، وهو الذي كان قدوة لأصحابه في الثبات علي المبدأ، فهم لم يبالوا عندما تعرضوا للقتل والتعذيب والتشرد والتهجير، لأن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان قدوتهم وسابقهم في تحمل الأذى والإهانة حتى تضرع إلى ربه قائلا : (... فإن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي..) لولا هذا التحمّل، لولا هذا الصبر علي المكاره لقضي علي الدعوة الإسلامية في مهدها.

الاحتفال بالمولد النبوي صورة رائعة وتعبير قوي عن محبة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتبجيلا له ، وهو حقيق بهذا التبجيل، حيث قال فيه سبحانه : ( ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك )، وأجمل ذلك أيضا في قوله تعالى : ( وإنك لعلى خلق عظيم ).. كما أوجب الله علينا طاعته حيا وميتا فقال : ( ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ). كما أوجب احترامه حتى في أدق الأمور فقال جل من قائل : ( الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى ).

ونحن عندما نحتفل بعيد ميلاد نبينا الكريم إنما نحتفل بمبادئه ونطبق ما أمرنا به علي لسان ربه، وإلا فلا فائدة في الاحتفال بعيد ميلاده، إننا عندما نحتفل بالمولد إنما نعبر عن فرحنا بإسلامنا وتجديد إيماننا بذكر من بعثه الله رحمة للعالمين، إذ وطد أركان الإسلام بدعوته، فهدى قلوبا باغية وأنفس قاسية، وجمع شملا مشتتا، وقال : ( لا تعودوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ).. ونحن نمر بذكرى المولد النبوي الشريف يلزمنا الهدوء والرحمة فيما بيننا والاستقامة ليرأف الله بنا، فلا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.. يـُلزمنا الإسلام بالإيمان الخالي من الرياء، ويلزمنا أن نقول : ( ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ).



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق