السبت، 26 نوفمبر 2011

نحن والآثار

نحن والآثار


د. عبدالجواد عباس



ليس المحافظة على الآثار من قبيل التقليد أو الترف الزائد، إنما هو عمل ضروري عقائدي تحفظه الأجيال الحاضرة للقادمة، وذلك لما فيه من عبر وعظات كثيرة، وأن هذه الدنيا إلى زوال مهما طال العمر بالإنسان، ومهما بلغت البشرية من المجد والرقي، فكلها إلى فناء، فناء مستمر من آدمـ عليه السلامـ إلى يوم اللقاء الأكبر.

إن رؤية آثار الأولين حكمة من الله، دعانا اليها، يريدنا أن نعتبر ونتذكر، وأن لا فائدة من الجبروت والطغيان.. فهاهم الذين كانوا أقطاب الأرض أصبحوا تحت التراب، لا نرى إلا مساكنهم.. وقد حبذ الله للناس رؤية ومشاهدة الآثار بصريح الكلمة، فقال في سورة السجدة " أفلم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون" السجدة.. وقد خلفت لنا حضارة الإغريق والرومان الكثير من الإنشاءات المعمارية الضخمة، التي تشهد علي قوة هاتين الحضارتين، متمثلة في هذه المباني المشيدة بكتل ضخمة من الحجارة المستوية، والقنوات تمتد علي أطوال بعيدة، فضلا عن المعابد الفخمة، والمقابر والحمامات، وساحات الألعاب والمسارح الواسعة، وأقواس النصر والكباري والطرق. ومن بين هذه المنشآت ما يصعب علينا الآن تحديد جميع الأغراض التي كانت تستخدم فيها، إذ أننا لا نستطيع أن نتخيل الطريقة التي بنيت بها، ولا نوع الحياة التي كانت تجري بين جدرانها.

إن المحافظة على الآثار محافظة علي التاريخ، إنها عظة كبرى وعبرة لمن يعتبر. هذه الخلائق التي كانت هنا، سادت ثم بادت، وجاء من بعدهم من جاء ثم مضى هو الآخر : " فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا " القصص58 .. ولا شك أن الله سبحانه سيحاسبنا علي مغبة التقصير في الحفاظ علي ما تبقى من آثار الأولين، فكل طمس أو تخريب إنما هو طمس لبعض آيات الله التي أرادها أن تبقى وتستمر ليتعظ بها البشر، وأن المحافظة عليها لأجر كبير، والآيات القرآنية تتضافر علي ذلك وتتوالى بالأمر المطلق للأولين والآخرين، فقال في سورة غافر " أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثارا في الأرض فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون " وقال في سورة العنكبوت " قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق "

هذه الآثار ما استبقاها الله إلا لحكمة أرادها، فلمَ لا نستبقيها نحن، ونحن نرى الأجانب المشركين أشد تعلقا بها، لأمر علمي ودنيوي، لا يرجون بها ثوابا، فمالنا ونحن نرجو هذا وذاك.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق