السبت، 26 نوفمبر 2011

ضعف التحصيل قاسم مشترك بين المعلم والطالب والمبنى المدرسي

ضعف التحصيل قاسم مشترك بين المعلم والطالب والمبنى المدرسي


د. عبدالجواد عباس



أولا :المــــعلم

سألقي الضوء على هذه القواسم المشتركة ، آملا في سد الثغرات التي يأتي منها تراجع مستوى التحصيل في المواد الدراسية بصفة عامة ولنأخذ أولا محور المعلم وتأثيره والسلبي في عملية التدريس عندما تقتحم عناصر غير مؤهلة حقل التعليم ..



فأول ثغرة غير مباشرة تفتح الباب لتراجع مستوى التحصيل العلمي هو تعيين معلمين في مجال التدريس تعيينا عشوائيا ، من حيث هو تعيين غير مدروس ، فقد رأينا أنه كل من حصل على مؤهل جامعي أو دبلوم متوسط يُدفع به إلى ميدان التدريس بدون معرفة جيدة بماهيته ؛ أي هل هو يصلح لهذه المهمة الخطيرة التي تصنع الأجيال ، أم سيأتي لنا بنتائج تعكس عدم قدرته العلمية وجهله بسبُـل التربية والتعليم ..



ومن ثمَّ إذا أردنا تعيين مدرسين علينا اختبار حالتهم النفسية وقوة شخصياتهم وتقبّلهم للمهمة ومدى معلوماتهم ، ومدى استيعابهم لمواد تخصصهم ، ويكون ذلك ـ كما كان معتادا وانقطع ـ من قِـبَـل لجنة من المفتشين التربويين .. لجنة لا تنقاد وراء العاطفة ، ولا تراعي قرابة ولا صداقة ، ولا تأخذها الشفقة فتعيّن معلمين لمجرد منحهم فرصة أكل العيش نعم ليأكل العيش ولكن في مجال آخر غير التدريس .. فإذا تراءى للجّنة في طالب عمل التدريس نقصٌ علمي أو عيبٌ عقلي أو جسماني فلا ترشحه للتدريس وإلا أخلت بمسؤوليتها ، ولم تمنح الوطن مودتها .



وللمعلم بعد ذلك علاقة ومسؤولية بمعالجة ضعف الطلاب في الإجازة الصيفية ، كما له علاقة ومسؤولية بالتعليم التشاركي الحر ، و ليس في المدرسة التي يدرّس فيها فحسب ؛ فمدرس الإجازة الصيفية ومدرس التعليم التشاركي كثيرا ما يكون تابعا لأمانة التعليم ، ويدرس للدورة الصيفة وللتشاركية معا ، وإذا وجد سبيلا ثالثا يمضي إليه ...وعلى هذا الحال كيف يمكنه التوفيق والأداء الصحيح بكل هذا العدد الكبير من الطلا ب .. التدريس في هذه الحالة المتفرقة الجهود لا يكون إلا ومضة سريعة ولمسة خارجية يؤديها المعلم أداءً قلقا ، وهو غير متأنٍ ، ينهب الكلاب نهبا ، وكل شيء عنده على عجل ... الشرح على عجل ، والكتابة على عجل .. هكذ ا غير متريث ، ينتظر بفارغ الصبر ليمضي الوقت ولينطلق إلى عمل آخر ومن قبيل تحصيل الحاصل ألا توجد كراسة متابعة عن حالة الطالب العلمية والتربوية ، مع عدم وجود كراسة تحضير الدروس لمعرفة ما دُرِّس من المقرر ، وما أخذ ذلك الفصل وما لم يأخذ ، ولا نعدم أن نسمع المعلم يسأل الطلبة ـ عند الدخول عليهم ـ إلى أين وصلنا في الدروس ، وفي أي صفحة نحن ؟..



هذا شأن المعلم الذي يمارس أكثر من عمل ، حتى ولو كان جيدا فإن تشتيت الجهود يُضعف أداءه ، فإما أن يستقل بالتدريس مع التعليم بمرتب يكفي حاجته ، وليس كما هو عليه الآن ، وإما أن يستقل بالتدريس مع التشاركية كعمل منفرد لا يزاول غيره ..



والحقيقة المدرس له وعليه ، فقد يتواجد في أكثر من عمل تحت دافع الحاجة ؛ الحاجة الملمحّة ؛ إطعام الأولاد ، ملابسهم ، فلا تقل ملابس الفتاة الجامعية مثلا أو حتى في الثانوية عن مئة دينار ، وكذلك الولد ، إضافة إلى مصاريف الصغار الآخرين ، ولا ننسى نفقات العلاج ، وأن كثرا منهم يشترون الماء طول السنة ، وهناك مصاريف المواصلات والكهرباء والهواتف ، إضافة إلى ذلك كله مصاريف المنزل والمناسبات الاجتماعية .. فماذا يفعل المرتب ، وماذا يفعل المعلم إذا كان متوسط معاشه ثلاثمائة دينار على الأكثر .. المدرّس لا شك يكون مهموما ، وبالتأكيد سيبحث عن طريقة تخلصه من هموم الحاجة ولو جزئيا ، ولو كان ضد صحته ووقته ، لذلك نلتمس له العذر في تعدد مهامه التدرسية ، ولكنه عذر على حساب مستقبلنا على حساب الكوادر التي سيقدمها للوطن ..



عن كثب وقرب وصدق أقول أن تشتت ذهن المعلم في أكثر من عمل هو من أجل توفير حاجياته الأساسية أولا ، ليس في أولوياته البحث عن هاتف أو حاسب آلى أو سيارة جديدة ، لا يبحث عن شيء من أدوات الحضارة الحديثة مع أنه جدير بها و توفر له الوقت والجهد ولكنه يبحث عن الأساسيات ..



فإذا أردنا من المعلم أن يوجّه كل إمكانياته وقدراته ، وكل ثقله نحو عمل واحد علينا أن نمده بمرتبٍ مجزٍ يوفـّـر له ضروريات الحيات العصرية ، ثم بعد ذلك نحاسبه حسابا عسيرا على كل هفوة أو تقصير في الواجب .. فمدرس القطاع العام ومدرس التشاركية بعد التأكد من صلاحيته للعمل من قبل لجنة متخصصة يكافأ عن عمله بأجر جيد ، على أن يكون متفرغا لعمله تفرغا كاملا للعمل بالمدرسة أو التشاركية ، ويحظر عليه مزاولة أي عمل آخر حتى من غير مهنة التدريس ، لأن تفرغه هذا يعطيه مجالا يسلط فيه قواه كلها ويستثمرها للشرح ولإجابة الأسئلة وتصحيح الاختبارات والكراسات وتقويم التلاميذ وفحص مشاكلهم على مهل وتروٍ ، وأخص ما أخص بالاهتمام معلمي الصفوف الأولى لأنهم يصنعون الأساس القوي تربويا وعلميا .



ثانيا : الطالب ـ

طلابنا ، أبناؤنا منذ وصولهم إلى الشق الثاني من التعليم الأساسي وما فوق تنمو في أذهانهم أفكار وتتنازعهم رغبات أكثرها غير سليمة .. أبناؤنا جلهم منجذبون وراء الأشياء البراقة ؛ كل شيء يريدونه بسرعة ؛ يريدون الدراسة بسرعة ، ويريدون الثراء بسرعة ، كل منهم يريد أن يكون شيئا كبيرا دون أن يعمل شيئا ؛ دون أن يخلص لدراسته أو يخلص لعمله وهذه المشاكل منبثة في مجتمعنا العربي بنسب متفاوتة ، ولم تعد الحلول المستوردة ولا المناهج الحديثة تصلح لتقويم طلابنا .. ولا أريد أن أقول أن لأبنائنا تركيبة خاصة لا تتناسب معها الحلول التي تتناسب مع خلق الله ، فلو تسامحت معهم وغفلت عنهم قليلا لحطموا الأدراج وكسروا المصابيح وقد يمدون أيديهم إلى المعلم اعتداءً ، وقد يهينون ويضربون من هو أكبر منهم دون تورع .. هؤلاء هم أبناؤنا .. هذا حظنا ، لذلك لا بأس أن نشدّد العقوبة ونقوي عليهم الرقابة بوعي وعدم تجاوز منذ الصغر والمراحل الأولى ، وأن يعود دور المشرف بأفضل ما يكون ، ويعود دور الأخصائي الاجتماعي بأفضل ما يكون ..



ثالثا: المبنى المدرس ـ

إعداد واستكمال المبنى المدرس بمرافقه الكاملة له تأثيره الإيجابي والسلبي في العملية التعليمية .. مشكلة بسيطة وهامة ـ بسيطة لكونها تعالج بالمال ، وهامة لأن عدم توفرها فيه إزعاج للطالب وإرباك له في دراسته ليس المدرسة فقط قاعات للدروس ؛ فهناك المعامل وهناك الملاعب الرياضية وهناك المكتبات .. ثم هناك شيء مهم وهو دورات المياه ، فكثير من المدارس بل والجامعات دورات المياه فيها مغلقة بسبب عدم صلاحيتها أو عدم وجود الماء فيها أو عدم وجود من يهتم بنظافتها أساسا ، لذلك أغلقوها فيظل الطالب فيها متضايقا حتى يعود إلى بيته في نهاية النهار ليقضي حاجته ، وعدم قضاء حاجته يقلل من تركيزه على الدروس .. فعدة أشياء إذا لم تتوفر في المبنى المدرسي فيها إزعاج للطالب ؛ فعدم وجود دورات للمياه إزعاج للطالب ، وعدم وجود مباشرين إزعاج للطالب ، ، والبرد الشديد داخل الفصل إزعاج للطالب والمعلم معا ، والمبالغة في أسعار الإفطار والمواصلات إزعاج للطالب ..هذه المشكلة والمشاكل السابقة لا تريد حلولا ذهنية معقدة بقدر ما تحتاج إلى الصرف عليها بحكمة .





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق