السبت، 26 نوفمبر 2011

كتاب الأغاني..تسمية تعسفية

كتاب الأغاني..تسمية تعسفية


د. عبدالجواد عباس



كنتُ أطلع من حينٍ إلى آخر على كتاب الأغاني للكشف عن موضوعٍ يخصّ بحثا أو دراسة وربما للتسلية أحيانا حتى سعيتُ أخيرا إلى إكماله.. ولمّا كنت أخصص وقتا لقراءة كتب التراث ككتاب الكامل للمبرد والبيان والتبيين للجاحظ وزهر الآداب للحصري القيرواني وجدتُ أن جل ما في هذه الكتب من أخبار يكاد يجمعها كتاب الأغاني وإن كان تأليف بعضها كان قبله بزمن طويل.

لمدة عامين وأنا أعطي الساعة والساعتين لكتاب الأغاني حتى أنهيته لأكتشف أن المئة صوت المختارة في الغناء من قصائد شعراء شتى، والمعنية بالعنوان لا تشكّل إلا النزر القليل من الكتاب، وإنما هو في الحقيقة كتاب تاريخ للشعر والشعراء والسياسة والاجتماع، يبيّن حياة العرب القديمة على أصولها، تتفق وما قال عنه شفيق جبرى في وصفه لكتاب الأغاني : "الحياة التي أذاع لنا أسرارها مديدة الآفاق مختلفة الوجوه، تتصل بعصور وقصور وبدول وخلفاء وملوك وأمراء وعمال وأشباه ذلك.."

قال أبو محمد المهلبي في وصفه الأمور الإجرائية إثر الانتهاء من تأليف كتاب الأغاني : " كتب أبو الفرج كتاب الأغاني من نسخة واحدة وأهداها إلى سيف الدولة فأعطاه ألف دينار.. بلغ ذلك الصاحب بن عبّاد فقال: لقد قصّر سيف الدولة وإنه ليستحق أضعافها "

ولدى قراءتي لكتاب الأغاني طُفْتُ بخيالي عامين كاملين في الجزيرة العربية، ما بين مكة والمدينة والطائف وثقيف وربوع اليمن واليمامة وحضرموت وما إلى ذلك من أقسامها..ترددتُ كثيرا على البصرة والكوفة وبلاد ما وراء النهر.. عشتُ مع العرب في الجاهلية، وعشت معهم في إسلامهم وعصرهم الأموي والعباسي.. صادفتني متناقضات ؛ من خير وشر، وعفة وطمع، فقر وغنى، خيانة ووفاء، حرية وعبودية.. رأيت القيان والجواري وصعاليك وذؤبان العرب.. لكن يعاب على أبي الفرج الإصفهاني مؤلف كتاب الأغاني أنه نقل كل ما سمعه.. تحدث عن أشياء لا طائل وراءها كالفحش وسفاسف العرب، وأسند الحدث الواحد إلى أكثر من شخصية وعصر.. وربما لتحفّظات أمنية تخصه لم يؤرخ لمعاصرين له في الدولة الحمدانية كالمتنبي وأبي فراس، حيث خلافه مع المتنبي معروف، في حين أعطى لسابقيهم من الشخصيات مجالا رحبا، فهناك العديد من الصفحات عن أبي العتاهية مثلا والفرزق وجرير..

ويبقى أن نشير إلى فضل المحققين لكتاب الأغاني وهم كُثر، فقد خدموا اللغة العربية بتفسير المفردات الصعبة وتوضيح المعاني الغامضة.. ومن ثمّ فكتاب الأغاني إلى جانب ما يحمل من سلبيات وتاريخ غير مجيد إلا أنه مرجع لغوي أدبيُّ اجتماعي.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق