من قضايا المرأة في القصة الليبية القصيرة
د. عبدالجواد عباس
تحتل قضية المرأة نسبة ثمانين في المئة من اهتمام القصاصين الليبيين , وحجم المرأة في تلك القصص ما هو إلا من قبيل حجم الحادثة , حيث هي منصبّة على المرأة بالدرجة الأولي , وتبرز فيها مشاكلها الرئيسة .. أما في غير ذلك فلا تخلو قصة من القصص في أي اتجاه من ذكرها ومشاركتها للرجل , كزوجةٍ وأمٍّ أو حبيبة , أو حتى صورة من صور الخطيئة.
ومن الملاحظ أن هناك فئات من القصاصين اشتهرت بتناول قضايا المرأة بصورة مكثـّفة ؛ فمنهم من ينظر الي جانب الخطيئة فيها , أمثال خليفة حسين مصطفي ومحمد المسلاتي , ومنهم من ينظر إلى جانب العشق والعاطفة أمثال محمد بالقاسم الهوني ـ وهو مكثر في هذا النوع من القصص ـ ومنهم من ينظر الي المرأة علي أنها ضحية للرجل , أمثال القاصة شريفة القيادي...
في الواقع , لو تتبعنا رأي بعض النقاد في حياة المرأة الليبية , من خلال نقدهم لمضامين قصص الفترة المبكرة لوجدنا أن جوّ القصص قد أوحى إليهم بأن المرأة تعيش في الدرك الأسفل من الظلم , وهو شيء لم يقله القصاصون بصراحة , وإنما وصفوا الواقع علي ما هو عليه , بيد أن بعض النقاد جعلوا المرأة في تصورهم لا تشكل إلا كمّاً مهملا في حياة الرجل , لا يُنظر إليها , وليس لها أهمية إلا من حيث كونها تـُشبع رغبة الرّجل الجنسيّة , ومثالٌ على ذلك نقد الأستاذ سليمان كشلاف لمجموعة (الضجيج) للقاص محمد المسلاتي , وهي في الحقيقة مجموعة مهتمة بقضايا المرأة من عدة نواح , يصدّر الناقد نقده بقوله : " إن المفهوم الاجتماعي للمرأة من خلال الشواهد السابقة هو أنها ليست أكثر من حيوان بشري , يأكل ويشرب , يلبس ويتنفس , وينام. إلى جانب هذه النظرة الجماعية للمرأة يبرز سلوك آخر هو أنها يجب أن تكون نقية , عفيفة بدون التقيد بعفاف ونقاء الطرف الآخر ؛ الرجل , وعند وقوع معصية فوحدها المطالبة بالفداء, لتكون بالتالي مهزومة علي جميع الأصعدة , ولتمثل النظرة إليها ككل من خلال نظرة جزئية : المرأة جهاز تناسلي.. تلك هي المعادلة التي أصبحت سلوكا اجتماعيا انتفت معه كل الصفات الإنسانية الأخرى.. حتى ولو كانت تلك الأنثى طفلة.. وعندما تختل الأمور وتكون الأحكام الجزئية معيارا للأحكام الكلية فلابدّ من وجود كبش الفداء , أضعف مكونات المجتمع علي المستوى الواقعي.. لذلك نجد ظاهرة المرأة المهزومة علي كل المستويات "(1)
وهذا حكمٌ فيه شيءٌ من التجنـّي ؛ لأن الناقد قد نظر إلى كل القصص بمنظار قصـة : (حكاية رجل من القرية) , أو قصّة ( ستشرق الشمس يا طفلي) ؛ فالأولي حالة شاذة , و الثانية تحدث أحيانا , أما بقية القصص فهي قصص حياة عادية.. فحين تشقى المرأة مع الرجل , ويتحملان معا الفقر وشظف العيش فليس ذلك ظلما لـها , مثل قصة (عـن هـم العمـر) و ( الاجتيـاز) و ( المـيت الذي لـم يمـت ) و ( معرفة) و (واقعية) وغيرها...
ولكي نلمّ ببعض قضايا المرأة يجدر بنا أن ندرسها من خلال محاور عدة هي :
1 ـ المرأة في بدايات القصّة الليبية القصيرة.
2 ـ النقـّاد وواقع المرأة.
3 ـ المرأة بين فريقين من القصّاصين.
وهذه المحاور تُدرس من خلال المجموعات القصصية التي صدرت ما بين سنة 1957 و1987:
1 ـ المرأة في بدايات القصة الليبية :
إذا توجهنا إلى بواكير القصص الليبية القصيرة فإننا سنجد للمرأة حضوراً مكثـّفاً , فقلما توجد قصة ليبية لا تـُذكَر فيها المرأة بخير أو بشر , سواء أكانت شخصية رئيسة أم شخصية ثانويـّة.. ومما تجدر ملاحظته أن بواكير القصص ـ وأقصد ما كُتب في عقد الخمسينيات ـ يكاد يكون وقفا على المرأة واهتمام الرجل بها , فعلى الرغم من الحياة القاسية التي ازدادت سوءاً إثر الحرب العالمية الثانية وتحطيم التنمية وتدهور الموارد الاقتصادية وتردي المعيشة بوجه عام , إلا أن الانجذاب نحو المرأة لم يخبُ , فإذا أخذنا من البداية قصص التليسي التي نشرها ما بين سنة 1950 ـ 1960 في جريدة طرابلس الغرب , والتي تضمها مجموعة :(زخارف قديمة) 1986 , نجد أن المرأة فيها شخصية رئيسة , ومدار الحدث وبؤرته , ابتداء مــن قصة ( متى تبدأ الحياة) , قصة ذلك الثائر علي الحياة , فقد ظن أنه فاقد للعطف والدفء الاجتماعي , ويحن فقط الي طفولته وماضيه , يبكي من أجل فردوس حبيبته المفقود الذي كان له أيام صباه. وقد قيل له أنها ستكون له كما كانت بياترس لدانتي. وانتهاء بقصة (نورا).
وقصة( نورا) تلك تزكي ما ذكرناه عن مكانة المرأة وأهميتها في حياة الرجل , سواء أكان غنيا أم فقيراً , فذلك الطالب الذي كان فوضويا لا يلتفت الي دروسه , أصبح ملتزما بالدرس والتحصيل والمثابرة , ترك المزاح والفوضى وطلب الجد إلى حد أثار دهشة زميله في الفصل , والذي زالت دهشته حينما علم السبب , وهو وقوعه في حب (نــورا) التي أراد أن يكون أمامها شعلة من النشاط والذكاء.. وهكذا كانت المرأة حافزا ومشجعا , فحبها يفعل الأفاعيل.. وعلي هذه الوتيرة , فالمرأة ليست مهانة , فإذا مرت يوما ما برداءة الحال , فبالتأكيد أن الرجل لم يكن بأحسن حال منها , فسوط الفقر لا يفرق بين ذكر وأنثى , وكذلك تداعياته من جهل وجوع ومرض , فلا ذنب للرجل في شقاء المرأة.. " فالإحساس بالملل ليس وقفا علي المرأة وحدها , والخصومات بين الرجل والمرأة في البيت واحدة تقريبا في كل المجتمعات و حتى المتحضرة منها "(2)
وقصص التليسي الست في مجموعة ( زخارف قديمة ) كلها تعلن البحث عن المرأة من جانب الرجل , وجعلها بؤرة اهتمامه ومنتهى مناه.
وإذا انتقلنا إلى عبد القادر أبي هروس ومجموعته القصصيـة (نفـوس حائرة ) بوصفها أول قصة ليبية تنشر سنة 1957 , نجد أن المرأة في تلك المجموعة القصصية محور الحدث وعماده ؛ فقصته : (عندما يموت اليأس) وهي أولى قصص المجموعة , مضمونها أن أساس كل شيء هو الحب.. وتتمثل في ذلك الشخص الذي طاف الأرض باحثا عن الحب الصادق في امرأة تحبه بإخلاص.. بغض النظر عن التفسير الرّمزي الذي أحال إليه الأستاذ فوزي الطاهر البشتي(3)
بأن ذلك الشخص كان يبحث عن الحرية , إنما كانت المرأة هي الوسيلة الرمزية التي استعان بها لقربها من وجدانه.. أما بقية قصص أبي هروس في مجموعته (نفوس حائرة) فتكاد تنطق جميعها بالمرأة , عن حبها وحرمانها ومعاناة الهجر ولذة الوصال , حتى أننا نجد عناوين دالة علي المرأة مباشرة , مثل ( نجلاء الحائرة في دمشق) و (عزيزة) و (ظلال علي وجه ملاك) , وقصة(عندما يفقد الأمل) عن المرأة والليلة الأولي لكلّ من الرجل والمرأة , وقصة ( دمية نافعة ) عن الحلم بالزوجة التي تحيا مع زوجها جسداً وروحا , وقصة (بضاعة مستوردة) عن سوء اختيار الزوجة من بلد لا تعرف طباع أهله.. وقصة ( سر الأناقة) عن اهتمام الرجل بنظافته وملبسه ليكون جميلا في نظر المرأة.. وتتميّز من هذه المجموعة قصة (حمدان ابنها السادس) لكونها تتحدث عن أسرة فلسطينية تقاوم ضد اليهود , لكن المرأة فيها تلعب دور الأمّ فيها.
إذن المرأة في الخمسينيات لم تكن كما مهملا نتيجة ظلم الرجل كما يقول بعض النّقاد و كما لم تكنه في أي زمن , فلم تكن مظلومة رغم الفقر والعوز وتردي الأحوال , وإنما نتيجة ظلم الزمن الجائر عليها وعلي الرجل معا ؛ زمن الحرب والفقر والحرمان.. وهذا ينطبق علي المرأة البدوية والريفية بوجه عام . أما المرأة في المدينة وهي التي يعنيها معظم القصاصين , ولكل منهن مشاكلها وهمها , سواء أتلك التي تعيش في المدينة , وتربّت بتربية المدينة , أم تلك التي عاشت خارج المدينة.. فامرأة أحمد إبراهيم الفقيه في قصصه التي تخرج لمحاربة الجراد الهاجم علي زروع القرية بمشاركة الرجال , هي غير تلك المرأة التي تعيش في المدينة وتـُقفل عليها الأبواب خشية نظرات الرجال المقصودة وغير المقصودة.
مجتمع القرية يعترف باللقاء الصريح أمام عموم الناس وتحت أعينهم بخلاف مجتمع المدينة , خاصة إذا كانت نظرة عابرة وكلمات جديّة مختصرة. مجتمع القرية ينفر فقط من اللقاءات السرية التي من شأنها توفير الخلوة بين الفتي والفتاة , أو أن يذكر اسم الفتاة صريحا أمام الجميع لإعلان حب الرجل للمرأة , لكونه يُعدّ تشهيرا ينال من سمعة أهل الفتاة , كما حدث في قصة( القمر الأحمر) في مجموعة ( اربطوا أحزمة المقاعد) لأحمد إبراهيم الفقيه , حيث تلفّظ المغني منصور ـ مغني القرية ـ باسم (هند) ابنة شيخ القرية في إحدى أغانيه ليلة فرح " وتحوَل كل من في الفرح الي عيون وآذان مشدوهة مندهشة مما يقوله منصور... وليلتها انتهى الفرح مبكرا , وما أفاق منصور إلى نفسه إلا وقد تحولت الأغنية من فمه الي أفواه الجميع...كثيرون من أهل القرية كانوا يحملون في قلوبهم تشفيا لا يفصحون عنه لشيخهم عامر وهم يرونه يطاطئ رأسه الذي كان دائما عاليا ... سوف تكون له كلمة يرد بها اعتباره ويعود رأسه الي مكانه العالي , وجاءت الكلمة بعد يوم واحد :
ـ ماتت هند... مرضت فجأة وماتت فجأة لكن أحدا منهم لم يكن ليخفي عن ذهنه أن هندا لم تمرض ولم تمت موتا طبيعيا, وإنما عامر أبو ليلة قتل ابنته ليدفن عاره ويرفع رأسه"(4)
وهكذا وضعت بدايات القصّة القصيرة الخطوات الأولى التي سار عليها معظم كتّاب القصّة فيما يتعلق بمعالجة قضايا المرأة.
2 ـ النقّاد وواقع المرأة
يفسر بعض النقاد مشاكل المرأة تفسيرا خارج الواقع , ويؤولون الأحداث علي غير وجهها الطبيعي الصحيح.. والحقيقة أن ما كتبه القصاصون عن المرأة فسّره النقاد بأنها مظلومة , وهو أمر لم يقصده القصاصون , وإنما قصدوا وصف الظروف والواقع فحسب. فالظروف هي التي أجبرت المرأة أن تعيش هذه المعيشة , الرجل لم يكن في بحبوحة من العيش هو الآخر , بل كان يبحث عن العمل فلا يجده , يلبس الملابس المهلهلة ويأكل مما يجد.. أما المرأة نفسها فليست مجلوبة من خارج نطاق المجتمع حتي يتغير عليها نمط المعيشة , فهي تعرف مسبقا بالحالة الاقتصادية لدي الزوج.
في قصة ( أحزان اليوم الواحد) لمحمد علي الشويهدي , وهي نفس القصة التي حملت اسم المجموعة , توضّح علاقة الرجل بالمرأة في المجتمع الليبي في الخمسينيات والستينيات , قصة امرأة شابة , في الواحد والعشرين من عمرها , تقضي أيامها بين الجدران كما تقضيه بنات ذلك الزمن. أخوها ضربها لأنها تنظر من الشباك , وأمها تصفها بالبائر , وأبوها يقول إن إنجاب البنات كارثة... ونتوقـّف مع أحد النماذج النقديّة التي تناولت هذه القصّة , حيث يقول الناقد سليمان كشلاف : " إن وجود المرأة مرفوض بالنسبة للمواطن الليبي في حالتين ؛ أن تكون ابنته أو أخته , مقبول في حالتين أيضا , أن تكون أمه أو حبيبته , وفي بعض الأحيان زوجته. وتلك الهوة هي التي تكشف الفارق الرهيب بين النظرية والتطبيق في تفكير صغار السن ممن يتكون منهم صلب المجتمع الجديد , كما تكشف عن تخلف فظيع في التفكير لدى كبار السن من حيث النظر إلى الأنثى علي أنها جهاز تناسلي فقط , هو مركز عفتها , وبدونــه لا تســاوي حــــبة خردل "(5).. وكل هذا لا يعني أن الرّجل هو الجاني ؛ لأن التقاليد تفرض تلك المعيشة على تلك الفتاة , ولا خروج على التقاليد إلا بتغيّر اجتماعي تدريجي..
وإذا سلـّمنا جدلا بما يقوله الناقد سليمان كشلاف , فإن ذلك لا يشكل نمطا نحكم به علي جميع الحالات في ليبيا ؛ لأن هناك ـ في القصص ـ الكثيرين ممن يكرمون بناتهم ويتصرفون تصرفاتٍ لائقة أمامهن.. أما عن التخلف الفظيع الذي ذكره الناقد فإنه حاصل لا محالة, نتيجة مخلفات القهر والإذلال التي فـُرضَت علي الشعب الليبي.. فلا ذنب للرجل ولا ذنب للمرأة أن يعيش كلاهما في تخلف وغربة نفسية خلقتهما الظروف .. وكلاهما أيضا ابن البيئة , بها ولد ونشأ وعليه تبعات هذه البيئة , لكن تتبع النقاد للقصاصين وتفسير أعمالهم شكّل في حد ذاته اتجاها اجتماعيا يتناول المرأة من عدة وجوه ؛ في علاقتها بأسرتها , في علاقتها بالحب , وبقضايا المشاكل الاجتماعية , كولوجها في ميدان العمل , وقضايا الطلاق والزواج , واختيار شريك حياتها , وما الي ذلك من شؤون الحياة.
3 ـ المرأة بين فريقين من القصّاصين
إذا صحّ تصنيف القصّاصين بحسب مواطنهم , فإننا نجد فريقين تميّز كلّ منهما بملامح في بنائه القصصيّ , فيما يتعلّق بالمرأة خاصةً ؛ فقصاصو المدينة وقصاصو القرى كل منهم له انطباعاته عن المرأة , كل منهم له وجهة نظر في الصيغة التي ظهرت في قصصه عن المرأة , فأكثر الذين اتهموا المرأة وارتابوا فيها هم قصاصو المدينة , أما سكان الدواخل والقرى من القصاصين الليبيين فلم تتوشح صورة المرأة لديهم بذلك السواد , إذا استثنينا حالات شـــاذة لـدى بعضهم (6).
ومن نماذج قصّاصي المدن القاص سالم العبار , حيث استدعي في قصة (زرقاء اليمامة في حضرة السلطان) شخصيات تراثية نسائية في معالجته لموضوع سياسي عن العرب بأسلوب رمزي , ولكنه يتخذ المرأة مطية لأسلوبه بما عرف عنها من مميزات أنثوية :
" ـ زرقاء...
ـ لبيك مولاي السلطان.
ـ حدثيني عن مضيق هرمز.. عن الخليج , كل الخليج , وحتى بحر العرب.. حدثيني , هل من نساء ستسبى , هل من شرف سينتهك ؟.. أين ذات الخال.. أين ؟؟
ـ رفضت الرقص.. بكت كثيرا وابنها الصغير يضحك..
ـ وماذا فعلت خولة ؟
ـ لا شيء يا مولاي... ظلت بسيفها تقاتل في الليل تجار الرقيق فــي خبائها "(7).. في حين آخر يجعل المرأة كائناً لا يعيش إلا بالجنس , فهو مبعثه ومكمنه ورضاه , وقد أجرى ذلك بأسلوب المعادل الموضوعي فقال : " شاكس العصفور أليفته , قفز قربها , تعانقا , عبث كلاهما بريش الآخر.. دار حولها طويلا , قفز فوقها.. صدرت حينها من السيدة
آهة مكتومة.. لابد أنها ترى في العصافير دفقا متجددا لعشقها لسيدي.. هذه هي لحظات امتلاكي لها , لكن هذه اللحظات لا تلبث أن تتبدد , وتعود تعاملني كعبد حقير.. ليت العصافير لا تغدر شبابيكها , ليتها تعشش في كل أركان القصر "(8)
ويرسم الكيلاني عون المرأة في المدينة كما يراها طالب اللذة , مما يبين الجوع الجنسي للمرأة كيفما اتفق أن تكون ؛ متزوجة , طالبة , عذراء , أرملة... " قال الرجل سرّاًً : تلك الفتاة لن تمانع.. تنافر ساقيها مزعج عندما لا يكون وحده وسط الشارع العريض.. آخرون.. آخرون أيضا في أماكن متفرقة يتحاورون بأصوات مرتفعة ويراقبون نفس الفستان الشغوف بالعلو.. رآها رجل عارية تماما.. آخر رآها في وضع.. وتحمس مراهق لفكرة أن يكون ذبابة هادئة تصعد من أسفل إلى.. لكن سيارة ما.. وقفت هناك حد ساقيها الممتلئتين , وأخذتها بعد لحظات , جعلت آمال الكثيرين تسقط في الخيبة.. قال الرجل بصوت نحاسي : الم اقل أنها لن تمانع ؟ "(9).
وربما اعتقد يوسف الشريف قاص المدينة , أن المرأة لا يستقر حبها ولا يثبت لزوجها , إذ طالما رنت إلى حبها السابق , وأن امرأة المدينة لا تستكين لرجل إلا في نهاية المطاف : " يقول الطبيب في صوت جليدي.. لا أمل لك , عليك بأطفال الأنابيب , الأمر متوقف علي زوجتك.. تقف عارية أمام المرآة , يبهر عينيها وهج المرمر , تعود بها الذكرى الي يوم بعيد , تحس بالجدران تزحف نحوها , تطاردها في كل الزوايا.. تتذكر الحب الأول.. تطوق بالشفتين ابتسامة رسالة مكتوبة بدمع العيون.."(10)... كذلـك دأب يوسف الشريف فـي مجموعتيه ( الجدار والأقدام العارية ).
وفي المدينة أيضا , تبادل الاتهامات بسبب البذاءة بين الشاب والفتاة , وفقدان الثقة في غير مروءة , مثلما يرسمها قاص المدينة إبراهيم حميدان في قصة(الصاروخ) وقصة (شمس الفقدان) : " كانت الفتاة ذات الشعر الأسود القصير لا تزال تسير أمامه , وبين الفينة والأخرى , تتوقف وتتظاهر بتأمل شيء ما , فتكتشف أنه لازال يتبعها , وحين صار بمحاذاتها , التفت إليها وقال بصوت متهدج خفيض أن عينيها أجمل عينين شاهدهما في حياته وأن وجهها الملائكي يوحي بالبراءة والنقاء والطفولة وكل الأشياء الجميلة البكر التي لم ينتهكها التلوث. وقفت بحزم وهتفت في وجهه أن يبتعد عنها , وإلا فإن نهاره سيغدو أسود , ثم قالت لأحد المارة ـ الذي تطوع متدخلا ـ أن هذا الحقير (وأشارت نحوه بطرف سبابتها في استعلاء) يتبعها منذ الصباح مثل كلب.. بصق علي الأرض وقال: جميعهن فاسدات , وخاصة ذات الشعر القصير هذه "(11).
ذاك شأن قصاصي المدينة في عرض رؤاهم عن كيان المرأة في المدينة , إذ أنها تبدو ليست ذلك الأمر الهام في حياتهم , أما أهل القرى والأرياف فإنها تبدو عندهم من الأهمية بمكان , فقد رأينا في قصصهم أن الرجل يهتم ويغتم بأمر حبيبته أو زوجته كما في قصّة (الكوشة) عند أحمد إبراهيم الفقيه , في مجموعته ( البحر لا ماء فيه) حيث يضحي صاحب الكوشة بوقته كله ولا ينام طوال اليوم لمرض زوجته , ويقوم ببعض الأعمال التي كانت تقوم بها هي , خلافا للزوج في قصة ( أمل لا يموت ) في مجموعة (غزالة) لمرضية النعاس وهي من كتّاب المدينة , الذي يتزوج ـ كما تقول ابنته في القصة ـ " تلك الليلة التي كانت تعاني فيها والدتي آلام المخاض , والتي وضعت فيها طفلها التاسع !؟ لم يأت تلك الليلة أبدا .. لقد كان زواجه مفاجأة لنا , لم نعلم به إلا في اليوم التالي , كنا نعتقد أن هناك شيئا حدث له , ولكننا علمنا أنه قد تزوج سرا حتي يسوي أموره معنا "(12).
وقصة( وفاة بائعة الماء) في مجموعة (البحر لا ماء فيه) لأحمد إبراهيم الفقيه , هي في مجتمع القرية , وبالرغم من أنها بائعة ماء فحسب , فإنهم يحترمونها ويدعونها (بأمي سعيدة) , في حين نجد نماذج مماثلة من النساء اللائى يعشن في المدينة في قصص بشير الهاشمي لم تحظ بشيء من الاحترام ؛ كقصة : ( حكايتك يا زمن) في مجموعته ( أحــزان عمـي الدوكالي ) , عـن تـلك العجــوز ( فاطمة) التي تفاجئها خديجة الدلالة وتنزع عنها ملابسها لتـُضحك الأخريات , كما يرميها الأطفال بالحجارة.
هذا شأن الأغلب الأعم من كتّاب المدينة , لكننا لن نعدم نماذج تكرم المرأة من كتاب المدينة كما هي عند أحمد نصر , وهو من مدينة محافظة علي تقاليد خاصة منذ القدم هي ( مصراته) , نجد المرأة في قصصه حالة إيجابية وخير عون لزوجها في الغربة , تسري عنه الهموم.. "... في السرير شبكتُ يديّ علي رأسي وامتددتُ علي طول الفراش , كنتُ كنخلة اقتلعتها عاصفة وكانت لا بد أن تحس بي , فدنت مني , وضعت رأسها علي صدري , وداعبت بأناملها ذقني ثم قالت :
ـ لا تفكر , سنتأقلم.. أحس بها امتدادا لعمري ومبعثا لسروري.."(13)
هناك من القصاصين القرويين من يمسك العصا من منتصفها , مثل القاص مهدي العدل في مجموعته القصصية ( الموت والميلاد) 1973.. والواضح أنه استفاد من دراسة الفلسفة التي هي تخصصه الأكاديمي , فالمرأة بالإضافة الي جعلها تمتاز بالحنان والحنو , فإنها عندما تكبر تمتاز بالحكمة , ومن ذلك حكاية الطفل الذي فقد جدته الحكيمة التي خلفت له فراغا ثقافيا شعبيا , إذ أنها كانت تحكي له الحواديت.. " الجميع ظهر عليهم التعب وناموا.. وتململ أحمد طويلا كأنه فقد شيئا أثمن من جدته "(14).
إلا أن مهدي العدل يميل الي أن الرجل والمرأة كلاهما ليس حراً , هناك تعادلية في نيل الظلم لكل واحد منهما.. ثم يشرح (السيطرة) في حوارية بين رجل وامرأة.. " إن معظم الذين كتبوا في قضية المرأة أجمعوا علي أن ظروفها سيئة... فماذا تعني السيطرة ؟ إن السيطرة ظاهرة مرضية في أشكالها الفردية , تعود أولا وأخيرا الي ثقافة المجتمع وخبراته التاريخية... الشعب الألماني كان يقع تحت سيطرة الدكتاتور هتلر.. لكن هتلر ليس حرا , هو أيضا يقع تحت سيطرة مرض اسمه الدكتاتورية , وسيطرة ثقافة لا إنسانية.. فإن المرأة هنا لا تستطيع التخلص من كل الرجال.. إنها تحتاجهم.. تحتاج الي رجل يتزوجها , وإلي رجل ينزلق إليها عبر النافذة الخلفية , إنها تحتاجهم جميعا .. "(15).
وهكذا أبدت لنا الملامح الواضحة للمرأة عند كل من كتـّاب المدينة والأرياف, وتعكس القصّة تأثير البيئة على ثقافتهم فيما صوروه من نماذج مجتمعاتهم المحصورة بحدود المكان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش :
(1) سليمان كشلاف ـ دراسات في القصة الليبية ـ الدار الجماهيرية 1979 ـ ص 121 و 122.
(2) خليفة حسين مصطفى ـ الضوء والظل ـ الدار الجماهيرية 1976 ـ ص29.
(3) مجلة الفصول الأربعة ـ العدد 17 لسنة 1982 ـ ص 27.
(4) أحمد إبراهيم الفقيه ـ 3 مجموعات قصصية ـ الدار الجماهيرية 1981 ـ ص 107 و 108.
(5) دراسات في القصة الليبية القصيرة ـ ص 10.
(6) انظر : إبراهيم الكوني ـ الخروج الأول إلى وطن الرؤى السماوية ـ الدار الجماهيرية 1992 ـ ص 108.
(7) سالم العبار ـ تجليات مهرة عربية ـ الدار الجماهيرية 1984 ـ ص25 ـ ط2.
(8) سالم العبار ـ منشورات ضد الدولة ـ الدار الجماهيرية 1987 ـ ص85.
(9) الكيلاني عون ـ الأخطاء ـ الدار الجماهيرية 1986 ـ ص 24 و 25 ,
(10)يوسف الشريف ـ ضمير الغائب ـ الدار الجماهيرية 1986 ـ ص68.
(11)إبراهيم حميدان ـ لــقــاء ـ الدار الجماهيرية 1986 ـ ص24 و 25.
(12)مرضية النعاس ـ غزالة ـ الدار الجماهيرية 1976 ـ ص 75 و 76.
(13)أحمد نصر ـ الحساب والجفاف ـ الدار الجماهيرية 1999 ـ ص41.
(14)مهدي العدل ـ الموت والميلاد ـ مجهول الناشر 1973 ـ ص 13.
(15)نفسه ـ ص13.
د. عبدالجواد عباس
تحتل قضية المرأة نسبة ثمانين في المئة من اهتمام القصاصين الليبيين , وحجم المرأة في تلك القصص ما هو إلا من قبيل حجم الحادثة , حيث هي منصبّة على المرأة بالدرجة الأولي , وتبرز فيها مشاكلها الرئيسة .. أما في غير ذلك فلا تخلو قصة من القصص في أي اتجاه من ذكرها ومشاركتها للرجل , كزوجةٍ وأمٍّ أو حبيبة , أو حتى صورة من صور الخطيئة.
ومن الملاحظ أن هناك فئات من القصاصين اشتهرت بتناول قضايا المرأة بصورة مكثـّفة ؛ فمنهم من ينظر الي جانب الخطيئة فيها , أمثال خليفة حسين مصطفي ومحمد المسلاتي , ومنهم من ينظر إلى جانب العشق والعاطفة أمثال محمد بالقاسم الهوني ـ وهو مكثر في هذا النوع من القصص ـ ومنهم من ينظر الي المرأة علي أنها ضحية للرجل , أمثال القاصة شريفة القيادي...
في الواقع , لو تتبعنا رأي بعض النقاد في حياة المرأة الليبية , من خلال نقدهم لمضامين قصص الفترة المبكرة لوجدنا أن جوّ القصص قد أوحى إليهم بأن المرأة تعيش في الدرك الأسفل من الظلم , وهو شيء لم يقله القصاصون بصراحة , وإنما وصفوا الواقع علي ما هو عليه , بيد أن بعض النقاد جعلوا المرأة في تصورهم لا تشكل إلا كمّاً مهملا في حياة الرجل , لا يُنظر إليها , وليس لها أهمية إلا من حيث كونها تـُشبع رغبة الرّجل الجنسيّة , ومثالٌ على ذلك نقد الأستاذ سليمان كشلاف لمجموعة (الضجيج) للقاص محمد المسلاتي , وهي في الحقيقة مجموعة مهتمة بقضايا المرأة من عدة نواح , يصدّر الناقد نقده بقوله : " إن المفهوم الاجتماعي للمرأة من خلال الشواهد السابقة هو أنها ليست أكثر من حيوان بشري , يأكل ويشرب , يلبس ويتنفس , وينام. إلى جانب هذه النظرة الجماعية للمرأة يبرز سلوك آخر هو أنها يجب أن تكون نقية , عفيفة بدون التقيد بعفاف ونقاء الطرف الآخر ؛ الرجل , وعند وقوع معصية فوحدها المطالبة بالفداء, لتكون بالتالي مهزومة علي جميع الأصعدة , ولتمثل النظرة إليها ككل من خلال نظرة جزئية : المرأة جهاز تناسلي.. تلك هي المعادلة التي أصبحت سلوكا اجتماعيا انتفت معه كل الصفات الإنسانية الأخرى.. حتى ولو كانت تلك الأنثى طفلة.. وعندما تختل الأمور وتكون الأحكام الجزئية معيارا للأحكام الكلية فلابدّ من وجود كبش الفداء , أضعف مكونات المجتمع علي المستوى الواقعي.. لذلك نجد ظاهرة المرأة المهزومة علي كل المستويات "(1)
وهذا حكمٌ فيه شيءٌ من التجنـّي ؛ لأن الناقد قد نظر إلى كل القصص بمنظار قصـة : (حكاية رجل من القرية) , أو قصّة ( ستشرق الشمس يا طفلي) ؛ فالأولي حالة شاذة , و الثانية تحدث أحيانا , أما بقية القصص فهي قصص حياة عادية.. فحين تشقى المرأة مع الرجل , ويتحملان معا الفقر وشظف العيش فليس ذلك ظلما لـها , مثل قصة (عـن هـم العمـر) و ( الاجتيـاز) و ( المـيت الذي لـم يمـت ) و ( معرفة) و (واقعية) وغيرها...
ولكي نلمّ ببعض قضايا المرأة يجدر بنا أن ندرسها من خلال محاور عدة هي :
1 ـ المرأة في بدايات القصّة الليبية القصيرة.
2 ـ النقـّاد وواقع المرأة.
3 ـ المرأة بين فريقين من القصّاصين.
وهذه المحاور تُدرس من خلال المجموعات القصصية التي صدرت ما بين سنة 1957 و1987:
1 ـ المرأة في بدايات القصة الليبية :
إذا توجهنا إلى بواكير القصص الليبية القصيرة فإننا سنجد للمرأة حضوراً مكثـّفاً , فقلما توجد قصة ليبية لا تـُذكَر فيها المرأة بخير أو بشر , سواء أكانت شخصية رئيسة أم شخصية ثانويـّة.. ومما تجدر ملاحظته أن بواكير القصص ـ وأقصد ما كُتب في عقد الخمسينيات ـ يكاد يكون وقفا على المرأة واهتمام الرجل بها , فعلى الرغم من الحياة القاسية التي ازدادت سوءاً إثر الحرب العالمية الثانية وتحطيم التنمية وتدهور الموارد الاقتصادية وتردي المعيشة بوجه عام , إلا أن الانجذاب نحو المرأة لم يخبُ , فإذا أخذنا من البداية قصص التليسي التي نشرها ما بين سنة 1950 ـ 1960 في جريدة طرابلس الغرب , والتي تضمها مجموعة :(زخارف قديمة) 1986 , نجد أن المرأة فيها شخصية رئيسة , ومدار الحدث وبؤرته , ابتداء مــن قصة ( متى تبدأ الحياة) , قصة ذلك الثائر علي الحياة , فقد ظن أنه فاقد للعطف والدفء الاجتماعي , ويحن فقط الي طفولته وماضيه , يبكي من أجل فردوس حبيبته المفقود الذي كان له أيام صباه. وقد قيل له أنها ستكون له كما كانت بياترس لدانتي. وانتهاء بقصة (نورا).
وقصة( نورا) تلك تزكي ما ذكرناه عن مكانة المرأة وأهميتها في حياة الرجل , سواء أكان غنيا أم فقيراً , فذلك الطالب الذي كان فوضويا لا يلتفت الي دروسه , أصبح ملتزما بالدرس والتحصيل والمثابرة , ترك المزاح والفوضى وطلب الجد إلى حد أثار دهشة زميله في الفصل , والذي زالت دهشته حينما علم السبب , وهو وقوعه في حب (نــورا) التي أراد أن يكون أمامها شعلة من النشاط والذكاء.. وهكذا كانت المرأة حافزا ومشجعا , فحبها يفعل الأفاعيل.. وعلي هذه الوتيرة , فالمرأة ليست مهانة , فإذا مرت يوما ما برداءة الحال , فبالتأكيد أن الرجل لم يكن بأحسن حال منها , فسوط الفقر لا يفرق بين ذكر وأنثى , وكذلك تداعياته من جهل وجوع ومرض , فلا ذنب للرجل في شقاء المرأة.. " فالإحساس بالملل ليس وقفا علي المرأة وحدها , والخصومات بين الرجل والمرأة في البيت واحدة تقريبا في كل المجتمعات و حتى المتحضرة منها "(2)
وقصص التليسي الست في مجموعة ( زخارف قديمة ) كلها تعلن البحث عن المرأة من جانب الرجل , وجعلها بؤرة اهتمامه ومنتهى مناه.
وإذا انتقلنا إلى عبد القادر أبي هروس ومجموعته القصصيـة (نفـوس حائرة ) بوصفها أول قصة ليبية تنشر سنة 1957 , نجد أن المرأة في تلك المجموعة القصصية محور الحدث وعماده ؛ فقصته : (عندما يموت اليأس) وهي أولى قصص المجموعة , مضمونها أن أساس كل شيء هو الحب.. وتتمثل في ذلك الشخص الذي طاف الأرض باحثا عن الحب الصادق في امرأة تحبه بإخلاص.. بغض النظر عن التفسير الرّمزي الذي أحال إليه الأستاذ فوزي الطاهر البشتي(3)
بأن ذلك الشخص كان يبحث عن الحرية , إنما كانت المرأة هي الوسيلة الرمزية التي استعان بها لقربها من وجدانه.. أما بقية قصص أبي هروس في مجموعته (نفوس حائرة) فتكاد تنطق جميعها بالمرأة , عن حبها وحرمانها ومعاناة الهجر ولذة الوصال , حتى أننا نجد عناوين دالة علي المرأة مباشرة , مثل ( نجلاء الحائرة في دمشق) و (عزيزة) و (ظلال علي وجه ملاك) , وقصة(عندما يفقد الأمل) عن المرأة والليلة الأولي لكلّ من الرجل والمرأة , وقصة ( دمية نافعة ) عن الحلم بالزوجة التي تحيا مع زوجها جسداً وروحا , وقصة (بضاعة مستوردة) عن سوء اختيار الزوجة من بلد لا تعرف طباع أهله.. وقصة ( سر الأناقة) عن اهتمام الرجل بنظافته وملبسه ليكون جميلا في نظر المرأة.. وتتميّز من هذه المجموعة قصة (حمدان ابنها السادس) لكونها تتحدث عن أسرة فلسطينية تقاوم ضد اليهود , لكن المرأة فيها تلعب دور الأمّ فيها.
إذن المرأة في الخمسينيات لم تكن كما مهملا نتيجة ظلم الرجل كما يقول بعض النّقاد و كما لم تكنه في أي زمن , فلم تكن مظلومة رغم الفقر والعوز وتردي الأحوال , وإنما نتيجة ظلم الزمن الجائر عليها وعلي الرجل معا ؛ زمن الحرب والفقر والحرمان.. وهذا ينطبق علي المرأة البدوية والريفية بوجه عام . أما المرأة في المدينة وهي التي يعنيها معظم القصاصين , ولكل منهن مشاكلها وهمها , سواء أتلك التي تعيش في المدينة , وتربّت بتربية المدينة , أم تلك التي عاشت خارج المدينة.. فامرأة أحمد إبراهيم الفقيه في قصصه التي تخرج لمحاربة الجراد الهاجم علي زروع القرية بمشاركة الرجال , هي غير تلك المرأة التي تعيش في المدينة وتـُقفل عليها الأبواب خشية نظرات الرجال المقصودة وغير المقصودة.
مجتمع القرية يعترف باللقاء الصريح أمام عموم الناس وتحت أعينهم بخلاف مجتمع المدينة , خاصة إذا كانت نظرة عابرة وكلمات جديّة مختصرة. مجتمع القرية ينفر فقط من اللقاءات السرية التي من شأنها توفير الخلوة بين الفتي والفتاة , أو أن يذكر اسم الفتاة صريحا أمام الجميع لإعلان حب الرجل للمرأة , لكونه يُعدّ تشهيرا ينال من سمعة أهل الفتاة , كما حدث في قصة( القمر الأحمر) في مجموعة ( اربطوا أحزمة المقاعد) لأحمد إبراهيم الفقيه , حيث تلفّظ المغني منصور ـ مغني القرية ـ باسم (هند) ابنة شيخ القرية في إحدى أغانيه ليلة فرح " وتحوَل كل من في الفرح الي عيون وآذان مشدوهة مندهشة مما يقوله منصور... وليلتها انتهى الفرح مبكرا , وما أفاق منصور إلى نفسه إلا وقد تحولت الأغنية من فمه الي أفواه الجميع...كثيرون من أهل القرية كانوا يحملون في قلوبهم تشفيا لا يفصحون عنه لشيخهم عامر وهم يرونه يطاطئ رأسه الذي كان دائما عاليا ... سوف تكون له كلمة يرد بها اعتباره ويعود رأسه الي مكانه العالي , وجاءت الكلمة بعد يوم واحد :
ـ ماتت هند... مرضت فجأة وماتت فجأة لكن أحدا منهم لم يكن ليخفي عن ذهنه أن هندا لم تمرض ولم تمت موتا طبيعيا, وإنما عامر أبو ليلة قتل ابنته ليدفن عاره ويرفع رأسه"(4)
وهكذا وضعت بدايات القصّة القصيرة الخطوات الأولى التي سار عليها معظم كتّاب القصّة فيما يتعلق بمعالجة قضايا المرأة.
2 ـ النقّاد وواقع المرأة
يفسر بعض النقاد مشاكل المرأة تفسيرا خارج الواقع , ويؤولون الأحداث علي غير وجهها الطبيعي الصحيح.. والحقيقة أن ما كتبه القصاصون عن المرأة فسّره النقاد بأنها مظلومة , وهو أمر لم يقصده القصاصون , وإنما قصدوا وصف الظروف والواقع فحسب. فالظروف هي التي أجبرت المرأة أن تعيش هذه المعيشة , الرجل لم يكن في بحبوحة من العيش هو الآخر , بل كان يبحث عن العمل فلا يجده , يلبس الملابس المهلهلة ويأكل مما يجد.. أما المرأة نفسها فليست مجلوبة من خارج نطاق المجتمع حتي يتغير عليها نمط المعيشة , فهي تعرف مسبقا بالحالة الاقتصادية لدي الزوج.
في قصة ( أحزان اليوم الواحد) لمحمد علي الشويهدي , وهي نفس القصة التي حملت اسم المجموعة , توضّح علاقة الرجل بالمرأة في المجتمع الليبي في الخمسينيات والستينيات , قصة امرأة شابة , في الواحد والعشرين من عمرها , تقضي أيامها بين الجدران كما تقضيه بنات ذلك الزمن. أخوها ضربها لأنها تنظر من الشباك , وأمها تصفها بالبائر , وأبوها يقول إن إنجاب البنات كارثة... ونتوقـّف مع أحد النماذج النقديّة التي تناولت هذه القصّة , حيث يقول الناقد سليمان كشلاف : " إن وجود المرأة مرفوض بالنسبة للمواطن الليبي في حالتين ؛ أن تكون ابنته أو أخته , مقبول في حالتين أيضا , أن تكون أمه أو حبيبته , وفي بعض الأحيان زوجته. وتلك الهوة هي التي تكشف الفارق الرهيب بين النظرية والتطبيق في تفكير صغار السن ممن يتكون منهم صلب المجتمع الجديد , كما تكشف عن تخلف فظيع في التفكير لدى كبار السن من حيث النظر إلى الأنثى علي أنها جهاز تناسلي فقط , هو مركز عفتها , وبدونــه لا تســاوي حــــبة خردل "(5).. وكل هذا لا يعني أن الرّجل هو الجاني ؛ لأن التقاليد تفرض تلك المعيشة على تلك الفتاة , ولا خروج على التقاليد إلا بتغيّر اجتماعي تدريجي..
وإذا سلـّمنا جدلا بما يقوله الناقد سليمان كشلاف , فإن ذلك لا يشكل نمطا نحكم به علي جميع الحالات في ليبيا ؛ لأن هناك ـ في القصص ـ الكثيرين ممن يكرمون بناتهم ويتصرفون تصرفاتٍ لائقة أمامهن.. أما عن التخلف الفظيع الذي ذكره الناقد فإنه حاصل لا محالة, نتيجة مخلفات القهر والإذلال التي فـُرضَت علي الشعب الليبي.. فلا ذنب للرجل ولا ذنب للمرأة أن يعيش كلاهما في تخلف وغربة نفسية خلقتهما الظروف .. وكلاهما أيضا ابن البيئة , بها ولد ونشأ وعليه تبعات هذه البيئة , لكن تتبع النقاد للقصاصين وتفسير أعمالهم شكّل في حد ذاته اتجاها اجتماعيا يتناول المرأة من عدة وجوه ؛ في علاقتها بأسرتها , في علاقتها بالحب , وبقضايا المشاكل الاجتماعية , كولوجها في ميدان العمل , وقضايا الطلاق والزواج , واختيار شريك حياتها , وما الي ذلك من شؤون الحياة.
3 ـ المرأة بين فريقين من القصّاصين
إذا صحّ تصنيف القصّاصين بحسب مواطنهم , فإننا نجد فريقين تميّز كلّ منهما بملامح في بنائه القصصيّ , فيما يتعلّق بالمرأة خاصةً ؛ فقصاصو المدينة وقصاصو القرى كل منهم له انطباعاته عن المرأة , كل منهم له وجهة نظر في الصيغة التي ظهرت في قصصه عن المرأة , فأكثر الذين اتهموا المرأة وارتابوا فيها هم قصاصو المدينة , أما سكان الدواخل والقرى من القصاصين الليبيين فلم تتوشح صورة المرأة لديهم بذلك السواد , إذا استثنينا حالات شـــاذة لـدى بعضهم (6).
ومن نماذج قصّاصي المدن القاص سالم العبار , حيث استدعي في قصة (زرقاء اليمامة في حضرة السلطان) شخصيات تراثية نسائية في معالجته لموضوع سياسي عن العرب بأسلوب رمزي , ولكنه يتخذ المرأة مطية لأسلوبه بما عرف عنها من مميزات أنثوية :
" ـ زرقاء...
ـ لبيك مولاي السلطان.
ـ حدثيني عن مضيق هرمز.. عن الخليج , كل الخليج , وحتى بحر العرب.. حدثيني , هل من نساء ستسبى , هل من شرف سينتهك ؟.. أين ذات الخال.. أين ؟؟
ـ رفضت الرقص.. بكت كثيرا وابنها الصغير يضحك..
ـ وماذا فعلت خولة ؟
ـ لا شيء يا مولاي... ظلت بسيفها تقاتل في الليل تجار الرقيق فــي خبائها "(7).. في حين آخر يجعل المرأة كائناً لا يعيش إلا بالجنس , فهو مبعثه ومكمنه ورضاه , وقد أجرى ذلك بأسلوب المعادل الموضوعي فقال : " شاكس العصفور أليفته , قفز قربها , تعانقا , عبث كلاهما بريش الآخر.. دار حولها طويلا , قفز فوقها.. صدرت حينها من السيدة
آهة مكتومة.. لابد أنها ترى في العصافير دفقا متجددا لعشقها لسيدي.. هذه هي لحظات امتلاكي لها , لكن هذه اللحظات لا تلبث أن تتبدد , وتعود تعاملني كعبد حقير.. ليت العصافير لا تغدر شبابيكها , ليتها تعشش في كل أركان القصر "(8)
ويرسم الكيلاني عون المرأة في المدينة كما يراها طالب اللذة , مما يبين الجوع الجنسي للمرأة كيفما اتفق أن تكون ؛ متزوجة , طالبة , عذراء , أرملة... " قال الرجل سرّاًً : تلك الفتاة لن تمانع.. تنافر ساقيها مزعج عندما لا يكون وحده وسط الشارع العريض.. آخرون.. آخرون أيضا في أماكن متفرقة يتحاورون بأصوات مرتفعة ويراقبون نفس الفستان الشغوف بالعلو.. رآها رجل عارية تماما.. آخر رآها في وضع.. وتحمس مراهق لفكرة أن يكون ذبابة هادئة تصعد من أسفل إلى.. لكن سيارة ما.. وقفت هناك حد ساقيها الممتلئتين , وأخذتها بعد لحظات , جعلت آمال الكثيرين تسقط في الخيبة.. قال الرجل بصوت نحاسي : الم اقل أنها لن تمانع ؟ "(9).
وربما اعتقد يوسف الشريف قاص المدينة , أن المرأة لا يستقر حبها ولا يثبت لزوجها , إذ طالما رنت إلى حبها السابق , وأن امرأة المدينة لا تستكين لرجل إلا في نهاية المطاف : " يقول الطبيب في صوت جليدي.. لا أمل لك , عليك بأطفال الأنابيب , الأمر متوقف علي زوجتك.. تقف عارية أمام المرآة , يبهر عينيها وهج المرمر , تعود بها الذكرى الي يوم بعيد , تحس بالجدران تزحف نحوها , تطاردها في كل الزوايا.. تتذكر الحب الأول.. تطوق بالشفتين ابتسامة رسالة مكتوبة بدمع العيون.."(10)... كذلـك دأب يوسف الشريف فـي مجموعتيه ( الجدار والأقدام العارية ).
وفي المدينة أيضا , تبادل الاتهامات بسبب البذاءة بين الشاب والفتاة , وفقدان الثقة في غير مروءة , مثلما يرسمها قاص المدينة إبراهيم حميدان في قصة(الصاروخ) وقصة (شمس الفقدان) : " كانت الفتاة ذات الشعر الأسود القصير لا تزال تسير أمامه , وبين الفينة والأخرى , تتوقف وتتظاهر بتأمل شيء ما , فتكتشف أنه لازال يتبعها , وحين صار بمحاذاتها , التفت إليها وقال بصوت متهدج خفيض أن عينيها أجمل عينين شاهدهما في حياته وأن وجهها الملائكي يوحي بالبراءة والنقاء والطفولة وكل الأشياء الجميلة البكر التي لم ينتهكها التلوث. وقفت بحزم وهتفت في وجهه أن يبتعد عنها , وإلا فإن نهاره سيغدو أسود , ثم قالت لأحد المارة ـ الذي تطوع متدخلا ـ أن هذا الحقير (وأشارت نحوه بطرف سبابتها في استعلاء) يتبعها منذ الصباح مثل كلب.. بصق علي الأرض وقال: جميعهن فاسدات , وخاصة ذات الشعر القصير هذه "(11).
ذاك شأن قصاصي المدينة في عرض رؤاهم عن كيان المرأة في المدينة , إذ أنها تبدو ليست ذلك الأمر الهام في حياتهم , أما أهل القرى والأرياف فإنها تبدو عندهم من الأهمية بمكان , فقد رأينا في قصصهم أن الرجل يهتم ويغتم بأمر حبيبته أو زوجته كما في قصّة (الكوشة) عند أحمد إبراهيم الفقيه , في مجموعته ( البحر لا ماء فيه) حيث يضحي صاحب الكوشة بوقته كله ولا ينام طوال اليوم لمرض زوجته , ويقوم ببعض الأعمال التي كانت تقوم بها هي , خلافا للزوج في قصة ( أمل لا يموت ) في مجموعة (غزالة) لمرضية النعاس وهي من كتّاب المدينة , الذي يتزوج ـ كما تقول ابنته في القصة ـ " تلك الليلة التي كانت تعاني فيها والدتي آلام المخاض , والتي وضعت فيها طفلها التاسع !؟ لم يأت تلك الليلة أبدا .. لقد كان زواجه مفاجأة لنا , لم نعلم به إلا في اليوم التالي , كنا نعتقد أن هناك شيئا حدث له , ولكننا علمنا أنه قد تزوج سرا حتي يسوي أموره معنا "(12).
وقصة( وفاة بائعة الماء) في مجموعة (البحر لا ماء فيه) لأحمد إبراهيم الفقيه , هي في مجتمع القرية , وبالرغم من أنها بائعة ماء فحسب , فإنهم يحترمونها ويدعونها (بأمي سعيدة) , في حين نجد نماذج مماثلة من النساء اللائى يعشن في المدينة في قصص بشير الهاشمي لم تحظ بشيء من الاحترام ؛ كقصة : ( حكايتك يا زمن) في مجموعته ( أحــزان عمـي الدوكالي ) , عـن تـلك العجــوز ( فاطمة) التي تفاجئها خديجة الدلالة وتنزع عنها ملابسها لتـُضحك الأخريات , كما يرميها الأطفال بالحجارة.
هذا شأن الأغلب الأعم من كتّاب المدينة , لكننا لن نعدم نماذج تكرم المرأة من كتاب المدينة كما هي عند أحمد نصر , وهو من مدينة محافظة علي تقاليد خاصة منذ القدم هي ( مصراته) , نجد المرأة في قصصه حالة إيجابية وخير عون لزوجها في الغربة , تسري عنه الهموم.. "... في السرير شبكتُ يديّ علي رأسي وامتددتُ علي طول الفراش , كنتُ كنخلة اقتلعتها عاصفة وكانت لا بد أن تحس بي , فدنت مني , وضعت رأسها علي صدري , وداعبت بأناملها ذقني ثم قالت :
ـ لا تفكر , سنتأقلم.. أحس بها امتدادا لعمري ومبعثا لسروري.."(13)
هناك من القصاصين القرويين من يمسك العصا من منتصفها , مثل القاص مهدي العدل في مجموعته القصصية ( الموت والميلاد) 1973.. والواضح أنه استفاد من دراسة الفلسفة التي هي تخصصه الأكاديمي , فالمرأة بالإضافة الي جعلها تمتاز بالحنان والحنو , فإنها عندما تكبر تمتاز بالحكمة , ومن ذلك حكاية الطفل الذي فقد جدته الحكيمة التي خلفت له فراغا ثقافيا شعبيا , إذ أنها كانت تحكي له الحواديت.. " الجميع ظهر عليهم التعب وناموا.. وتململ أحمد طويلا كأنه فقد شيئا أثمن من جدته "(14).
إلا أن مهدي العدل يميل الي أن الرجل والمرأة كلاهما ليس حراً , هناك تعادلية في نيل الظلم لكل واحد منهما.. ثم يشرح (السيطرة) في حوارية بين رجل وامرأة.. " إن معظم الذين كتبوا في قضية المرأة أجمعوا علي أن ظروفها سيئة... فماذا تعني السيطرة ؟ إن السيطرة ظاهرة مرضية في أشكالها الفردية , تعود أولا وأخيرا الي ثقافة المجتمع وخبراته التاريخية... الشعب الألماني كان يقع تحت سيطرة الدكتاتور هتلر.. لكن هتلر ليس حرا , هو أيضا يقع تحت سيطرة مرض اسمه الدكتاتورية , وسيطرة ثقافة لا إنسانية.. فإن المرأة هنا لا تستطيع التخلص من كل الرجال.. إنها تحتاجهم.. تحتاج الي رجل يتزوجها , وإلي رجل ينزلق إليها عبر النافذة الخلفية , إنها تحتاجهم جميعا .. "(15).
وهكذا أبدت لنا الملامح الواضحة للمرأة عند كل من كتـّاب المدينة والأرياف, وتعكس القصّة تأثير البيئة على ثقافتهم فيما صوروه من نماذج مجتمعاتهم المحصورة بحدود المكان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش :
(1) سليمان كشلاف ـ دراسات في القصة الليبية ـ الدار الجماهيرية 1979 ـ ص 121 و 122.
(2) خليفة حسين مصطفى ـ الضوء والظل ـ الدار الجماهيرية 1976 ـ ص29.
(3) مجلة الفصول الأربعة ـ العدد 17 لسنة 1982 ـ ص 27.
(4) أحمد إبراهيم الفقيه ـ 3 مجموعات قصصية ـ الدار الجماهيرية 1981 ـ ص 107 و 108.
(5) دراسات في القصة الليبية القصيرة ـ ص 10.
(6) انظر : إبراهيم الكوني ـ الخروج الأول إلى وطن الرؤى السماوية ـ الدار الجماهيرية 1992 ـ ص 108.
(7) سالم العبار ـ تجليات مهرة عربية ـ الدار الجماهيرية 1984 ـ ص25 ـ ط2.
(8) سالم العبار ـ منشورات ضد الدولة ـ الدار الجماهيرية 1987 ـ ص85.
(9) الكيلاني عون ـ الأخطاء ـ الدار الجماهيرية 1986 ـ ص 24 و 25 ,
(10)يوسف الشريف ـ ضمير الغائب ـ الدار الجماهيرية 1986 ـ ص68.
(11)إبراهيم حميدان ـ لــقــاء ـ الدار الجماهيرية 1986 ـ ص24 و 25.
(12)مرضية النعاس ـ غزالة ـ الدار الجماهيرية 1976 ـ ص 75 و 76.
(13)أحمد نصر ـ الحساب والجفاف ـ الدار الجماهيرية 1999 ـ ص41.
(14)مهدي العدل ـ الموت والميلاد ـ مجهول الناشر 1973 ـ ص 13.
(15)نفسه ـ ص13.
stainless steel - TITIAN LUG HOLF
ردحذفStainless steel - TITIAN LUG HOLF, U.S.A.A. - USA 100001. mens titanium wedding bands $34.95/ case - No box - $39.95/ case - No box - $55.95/ case - No box - $52.95/ งานออนไลน์ case titanium razor - 먹튀 No box - $35.95/ case - No box - $60.95/ case - No box babyliss pro nano titanium straightener - $52.95/ case - No box - $64.95