الثلاثاء، 22 نوفمبر 2011

بالزمن نحتفل

بالزمن نحتفل
د. عبدالجواد عباس
عندما كنَّا صغاراً كان الزمن مقيماً معنا.. في ذلك الأمد البعيد كانت السنة الواحدة طويلة وحافلة بالأحداث.. في تلك السنين الخوالي كان الوقت فسيحاً ؛ ندرس نلعب، نمرح... نرى أشياء كثيرة تعايشنا، نحسُّ بأننا تركنا وراءنا  مسافةً طويلة بيننا وبين السنة التي تليها.. الربيع لم يكن عَجُولاً، يمكث مدة طويلة من الزمن، كنَّا نتأمّله ونأخذ غايتنا منه، نراه مزهواً يانعاً، نملأُ عيوننا باخضراره قبل أن يرحل.. والآن عندما كبرنا أخذ الزمن يتلاشَى، والأحداث تتراكم وتسقط من الذاكرة، ولا يبقَى منها في الذهن إلا القليل.. نقضي أيامنا وكأنما هناك حلقة مفقودة نَسِيَها الزمن.. صارت الأعوام تمرّ سِرَاعاً  دون أن ننتبه لها.. ربما غمرة المشاغل، ربما كثرة الطموحات , وربما الإرهاق كان السبب في حرماننا من الشعور بالزمن والتمتع بأنسام الربيع الراكع تحت سيطرة الصقيع.
          لقد صارت الأعوام تسير سيراً حثيثاً، فبعد أن كنا نحسب لليوم حسابَه وللشهر حسابه.. بعد أن كان كل منهما مليئاً بأحداثه السّارّة وغير السارة أصبحت حساباتنا بالجملة، بالعشر سنين ؛ صرنا نقول: في السبعينيات حدث كذا  وكذا، وكثر كذا وقلّ كذا.. ثم الثمانينيات والتسعينيات.. لم أسمع بهذه التسمية تُطلق على العقود التي قبلها (الخمسينيات والستينيات)، أو ممن عاش في هذه الفترة أمثالنا.
          كثيرُ منا يودُّ لو تعود عجلة الزمن إلى الخلف، لو ترجع عقارب الساعة إلى الوراء لفعلت ذلك الشيء وتركت ذلك الشيء، ولدرستُ كذا بدل كذا، ولقررت كذا... إنه هاجس حُلو المذاق أن تركب آلة الزمن وتستقر في العصر الذي تريد، لكن هيهات ! لا يمكن أن يعيش الإنسان عمرين، الزمن يعطيك فرصة واحدة هي رهينةٌ بحظّك، غير أني أعرفُ أحدَهم ـ وهذا ليس إسقاطاً ـ  كان يتمنّى ذلك كثيرا ؛ يتمنى أن يعود به الزمن إلى الخلف ليُصْلِحَ من شأنه، وليصلح أخطاءً وقع فيها، ولو أنه يدرك تمام الإدراك بأنها أمنيةٌ مستحيلة ومرام صعب.. لقد ظنّ صاحبنا أنه أخطأ في مسيرة حياته السابقة.. وشغل نفسه بهذا الهاجس.. رأى فيما يراه النائم أنه قد مُنح عشرين سنة من عمره إلى الوراء.. بات مسروراً بذلك، وظن أن الكُرَةَ أصبحتْ بيده.. لكن المسكين لا يدري إلا وقد وقع في أخطاء الماضي،وفقد أشياء كثيرة ؛ فالذي أعطاه عشرين سنة إلى الوراء أخذ منه الكهولة وأعطاه الشباب، صحيح، لكن في نفس الوقت قد تبخّر ما اكتسبه من علم..أخذ منه كل المال الذي جمعه خلال السنين العشرين الماضية وأعطاه الفقر والعَوَز.. غير أن الطامة الكُبْرَى أنه لم يعطِه نفس العقل الذي كان يتمتع به قبل الخصم.. رأى نفسه (في المنام) أنه يعود إلى سيرته القديمة، إلى حياته المتعثرة برداءة الحظ وسوء الطالع.. كانت نفسه تراقبه من بعيد ؛ ماذا يفعل وإلى أين يتجه... انفصل عن نفسه تماما.. ليته وقف عند هذا الحد، لكنه اقترف بالعقل القديم أخطاء وحماقات، وارتكب أعمالا إجرامية وأفعالا طائشة لم يتخلص منها حتى استيقظ من نومه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق