الأربعاء، 23 نوفمبر 2011

بيبسي أم ميراندا


بيبسي أم ميريندا
د. عبدالجواد عباس
منذ الصباح و(عبد الباسط) يحشد الحشود لدعوتهم للغداء، وقد دعا كل من صادفه من معارفه، الصديق وغير الصديق.. والحكاية أن أحدهم قد أحضر له شاة نظير مناسبة قد فات أوانها قليلا فأراد صاحبنا  أن يتصرف كما يتصرف شيخ القبيلة، فهو يأمل ويتخيل نفسه أن يكون كذلك في المستقبل، أو ربما  سيكون، وكيف لا وهو دائب الحضور على مسارات الصلح واجتماع القبائل على الكبيرة والصغيرة، يستشف منها ما يقولون من حلول وفوائد اجتماعية، زرعت في ذهنه فخامة كفخامة المشايخ فأراد أن يقلدهم حتى في لباسهم وبرانيسهم الفضفاضة ليبدو كذلك شيخا أو في طريق المشيخة.
المهم أنه حشد إلى وجبة الغداء حشدا كبيرا حتى امتلأ الكوخ الذي يسكن فيه..و كان من بين المدعوين عبدالرحمن وهو شاهد عيان على ما جرى في ذلك الغداء.. وقد تحدث قائلا إنني قبل أن أحضر قد امتنعت عن تناول الفطور لكي أفسح مكانا لتلك الوجبة الدسمة التي وعدني بها صديقي عبدالباسط. وقد كتمت الموضوع حتى على بعض المتسقطين الذين يملكون أذانا طفيلية صاغية ويتلهفون لسماع كلمة غداء أو عشاء، أعرضت عنهم وتشاغلت  ببعض الأشياء وأشرت بأنني سوف أذهب بعد قليل فلدي بعض الأشغال في دوائر أخرى، فعلت ذلك لكي ينصرفوا عني وحتى لا يدخل علي أحد معارفي المدعوين فيُشعرهم بموضوع الغداء بطريقة أو بأخرى..
جاء وقت الغداء وأنا على أحر من الجمر لتناول ما لـذ ّ وطاب.. كان لا علم لي بمن دعا ولكنني توقعت أن الدعوة سوف تقتصر على الأصدقاء المعدودين المعروفين عندي وعنده، والرجل قد ذبح شاة فسوف تكون كافية لإشباعنا.. واقتربت من الدار، وعند الباب رأيت مجموعة من السيارات المختلفة الحال محيطة بالكوخ، فدخل في روعي أنني ربما أخطأت المكان، فهذا  العدد من السيارات لا يجتمع بهذه الكثافة إلا في مناسبة كبيرة، ولكني كنت أعرف الكوخ جيدا بتعودي على التردد عليه   عدة مرات فيما مضى، إنه هو بالتأكيد رغم اختفائه بالسيارات، لقد وصلت   فرأيت عند الباب  حشدا كبيرا من الأحذية قد تربو على الخمسين حذاء، فامتعضت ولكنني دخلت، لم أجد مكانا للجلوس في البداية ولكن أحد صغار السن تفضّل وأعطاني مكانه فحشرت نفسي بين الجموع، يتكئ بعضنا على بعض بالأكتاف، أما أرجلنا فلم نستطع أن نمدها فالمسافة التي بيننا وبين من يقابلنا ضيقة ولا تسمح بذلك.. وتألمت من الجلوس بهذه الطريقة، فأنا لم أتعود على هذه الجلسة كثيرا ومما يزيد الامتعاض وجود ثلاثة حلقات تلعب الورق وتصدر أصواتا وتعليقات وكلمات نابية أحيانا.. وفكرت في الوقوف والانصراف ولكني استبعدت ذلك مجاملة لصديقي.. وانتظرت أن تنتهي حفلة الغداء، ولكن الغداء لم يأتِ أصلا رغم حلول الساعة الثالثة، ثم الثالثة والنصف حين توقف لاعبو الورق عن اللعب وبدأت عيونهم تطل نحو باب الكوخ ويتوقعون من كل داخل أن يقول لهم أربعة أربعة يا جماعة.. وجاءت الساعة الرابعة، ذلك أثقل مما أحتمل ولكن بادر أحدهم وقالها أربعة أربعة، وسرعان ما تشكلت الحلقات، وجاءت القصاع  ولم يكن بداخلها إلا مقدار ضئيل من الأرز وأربع قطع  صغيرة من اللحم.. بعض الحلقات كانت تصدر كلاما كالهمهمة وبعضهم يصدر ضحكة مخنوقة، غير أن صديقي المضيّف  كان يحمل  بين يديه صندوقا من زجاجات المشروب ويقول بصوت مسموع (بيبسي أم ميريندا ).. ولما كثر نداءه بهذا الصوت ضقت ذرعا لأني لم آكل شيئا أشرب عليه البيبسي أو الميرندا..  تبسمت ابتسامة لا تخلو من السخرية والحنق  وقلتُ : على أي شيء نشربها، أعلى هذه الأكلة الدسمة  أم على  هذا الجلوس الطويل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق