ديوان
مهد الغلا
د.
عبدالجواد عباس

عندما
نقف عند هذا الديوان لعبد السلام الحجازي، وهو شعر غنائي الذي شاء أن يسميه (مهد
الغلا).. وهو مهد الغلا بحق لأن معظمه أو كله يحوي خواطر شعرية نحو المرأة ؛ خواطر
سرور أو حزن، خواطر غضب أو رضا ؛ خواطر صدّ أو قبول أو ما شئت من هذه المفارقات
الرومانسية التي تنتاب كل الأسوياء من البشر.. فحمل هم المرأة في هذه المفارقات هو
من قبيل كمال شخصية الرجل وليس نقصا في حقه ؛ فنفور المرء من الجو الأنثوي
مرض.
وإذا
ما استعرضنا قصائد هذا الديوان سنجد هذه المفارقات العاطفية واضحة تمام الوضوح،
فهو لا يألُ جهدا في عرض ما يحب وما يكره، بل رأيناه يتصدى للدفاع من أجل ما يعتقد
أنه الصحيح.. فالحياة تجارب ودروس تعلم المرء كيفية أخذ القرار الذي يناسب حالته
وثقافته وبيئته.
وفي
الوقت الذي يأنس فيه لحب المرأة نجده يحوطه الحذر والاحتراس ؛ فالقصيدة الأولى
بعنوان (تعملي معروف) بداية الالتفات نحو المرأة، هذه القصيدة ليست البداية
فقد قالها بعد أن مرت به تجارب سابقة، وإلا لما كان قد قال :
وانتي
طريقك حيرة
وانجي
لدرب نلقى غيره..
فيه
الدروب كثيرة.. بالخطر محفوف
تعملي
معروف.
كما
نجده في قصائد أخرى يجدد هذا الحرص ويحوطه الحذر من كل جانب كلما فكر في
المرأة، فما أن يقترب منها حتى يأخذ في الابتعاد عنها، متهما عينه بالتغرير
به وبقلبه الذي لا يصبر عن أوجاع أخرى، والانجذاب نحو الجمال
ودفء العواطف، ويقترب ويقترب حتى يلامس عبق الغرام الذي يستحيل إلى حمل ثقيل
رغم متعة البداية :
يا
قلبي الغرام ايفوح..
بعطور
البداية ..
ويداعب
حنايا الروح..
وتكون
الحكاية.
وتقول
.. وتقول: الله و يا محلاه .. ويطول .. بالشوق اللى مولود معاه..
يا
قلبي الغلا ممزوج بدموع الندايم..
وين
يعلا عليك الموج تحتاج لعزايم ..
ويشده
هذا الحرص والشك بين إخلاص المرأة ووفائها في قصائد كثيرة كقصائد (كان لازم
تاخذ قرار ـ نار الشوق ـ جرّات عيني ـ الرّحال ـ خطية عمري ـ ضحية وهم ).. ولا
تخلو القصائد الأخرى جزئيا من ورود هذه الخواطر في بعض أسطرها.
وتنفذ
من بين هذه القصائد الذاتية قصائد التزام بالقومية والوطنية مثل (حكاية
الشهيدة سناء ) وقصيدة (درنة)، وقصيدة ( يا خير أمة) التي حاور فيها
كثيرا عن دوامة المشاكل العويصة التي تورط فيها العرب منذ زمن طويل، والتي
لا يمحو عارها إلا الموت أو النصر:
بالغضب،
بالدم بالروح با صرارنا
بشعارنا
يا نصر يا استشهاد
يا
انعيش ننشر في شذى نوارنا
بحب
وكرامة وللعدل روّاد
يا
انموتوا بالموت نمحوا عارنا
مع
رب واحد عندنا ميعاد
أما
(حكاية الشهيدة سناء) فهي من قبيل القصة الشعرية بامتياز، وتميزها يتمثل في
أن لها بداية ووسط ونهاية، وقد أجاد حبكتها الفنية في أن استدرجنا بداية
بأسلوب الحكاية القديمة، وترميز للحب الذي تحرص عليه الشهيدة سناء
بأنه حب الوطن لا غير، إنه حب وطنها لبنان :
كان
ياما كان
في
ماضي الزمان.. حكاية محبة وصوب
حكاية
وفا وحنان
وعشق
لثرى لبنان.. في قلب الجنوب
ثم
يستمر في عرض المشهد البطولي على مهل، ويصورها عاشقة تحرص على مواصلة الحبيب
وتقترب منه في خطى حثيثة....إلى أن يقع التواصل الحاسم بينها وبين حب الوطن
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق