الأربعاء، 23 نوفمبر 2011

رسالة الى الربيع


رسالة إلى الربيع
د. عبدالجواد عباس
أنت أيها الربيع أعـزّ صديق في الصِّــغر، ولمَّـا كبرنا كنتَ أكثرَ إشراقـًا وأعظم الفصول حنينا إليك.. منذ عهدٍ عبر ونحن نتذكر مقطعا في كتاب المطالعة  يقول : " في الأسبوع الثالث   من شهر مارس يبتدئ فصل الربيع، فصل الزهر والحياة " هذه العبارة ما نسيناها، بل استقرت في أذهاننا..

إنك أيها الربيع لذو حظوة حقا، بك يستبشر الجميع.. تتجلـّى بمقدمك شقشقة العصافير وثغاء الشاه، يقبل الناس نحوك جماعات ووحدانا، يرتمي الأطفال هنا وهناك على الأعشاب، يقطفون ما شاؤوا من ورود.. زهورك لا تنتهي بل تزداد كل يوم.. الصغار والكبار يشاركون بهجتك، فأنت الكريم الذي يعطيهم جميعا.. أنت البراءة  وأنت السطوع الذي يكشف عن النفس غبارَها ويجعلها تتثاءب ساعيةً إليك في غير ارتياب ولا تردد.. مساحات واسعة في البراري تتراءى بالخضرة والنماء.. سهول  وسفوح ووديان عمّتها الصفرة والحمرة واللون البنفسجي، إنها ثورة الفرح تستنهض العالم الحي، تغريه بهدوء ليغرف من المتعة ما شاء ومتى أراد.

كيف لا تكون كذلك وأنت أيها الربيع حياة بنفسك  كما وصفك الخالق، يحيي به الأرض بعد موتها.. يهيج فتراه مصفرا، ثم ماذا.. تأخذ وقتك كما تأخذ الكائنات أوقاتها، ثم إلى أجل مقدّر محتوم.. هكذا ضُرب بك المثل لكنك ليس كالأشياء والمخلوقات تنتظر الوقت المعلوم، بل تعود وتبُعث من جديد ما دامت الدنيا، تطالعنا كل عام بوجهك الصبوح.
كم نحن مشتاقون إليك أيّها الربيع، إنّـك لتذكـِّرنا عبرَ أزمانٍ بعيدة بروعتك التي تألقتَ فيها بطلعاتك المتتالية منذ السنين الخوالي إلى الآن.. نهتزّ ونستوحي العشق والهيام بجمال الأشياء، وببساطك السندسي عشق الطير لطلوع الفجر..

إن كان ثمة من يتلقف رحيقك ويمتصّ رضابك فالأطيار أولى.. تسبق الجميع بتبكيرها، حتى النحل والحشرات المقيمة في سرادقك  ـ أيها الربيع ـ تنهض بعد الشروق فيزداد حينئذٍ جمالك.. يتوالى الفراش والنحل وجمهور من المخلوقات الطنـّـانة على أزهارك، ترشف من هذا وتنتقل إلى ذاك، إنها تكمل روعة المهرجان.. بعضها يظهر بقدومك وتختفي برحيلك فلم نعد نرها إلا في عام قادم، وكأنّها تحيَا بحياتك.

أيُّـها الربيع نستوحيك أكثر، نقرن حسنك بوجوه الحسناوات والعذَارَى مغمورةً بأزاهيرك في بطاقات المعايدة والخطوبة.. فأنت بسمة ثغر الوليد، أنت موسيقى العوالم البعيدة الطاهرة وصوت  مزمارٍ قادم من أعماق الجمال، نصمت جميعا لنسترق سمَاعَه.. أنت قصيدة شعر وبشارة أمل، ونسمة رطبة  ووجّــه حسن، بل أنت فنيسُ نفسها.

إلى اللقاء أيها الربيع الجميل، إلى ربيع جديد، إلى مستقبل عريض وأمل قريب، إلى حياة هناء ورخاء.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق