الأربعاء، 23 نوفمبر 2011

توضيحات املائية دراسة نقدية


توضيحات إملائية ـ دراسة نقدية / (1)
د. عبدالجواد عباس
تعدد الرسم فى الكلمة الواحدة
أين الصحيح : شؤون   أم    شئون
رؤوس                     أم   رءوس
رؤوف                      أم   رءوف
يقرؤون                    أم    يقرأون أم يقرءون
كثيرا ما يختلف الكتاب والدارسون في الهمزة المتوسطة المضمومة ولم يتفقوا على مبدإٍ واحد في رسم بعض الكلمات، مما جعل طالب العلم لا يقف على أرض صلبة؛ إذْ يحتاج لقاعدة علمية ذات وتيرة واحدة يمكن فهمها وحفظها بحيث لا يقع الخطأ إلا من جاهل بالقاعدة وسأتعرض ـ بعون الله ـ لمثل هذه الكلمات مبينا آراء بعض اللغويين ومتعرضا لبعض الكتب التي تكلمت عن ذلك , وهى تفتقر جميعها إلى التعليل , فى مثل هذه الكلمات , عدا كتاب واحد وهو كتاب  (الرسم الإملائى) , فقد أفاض الكثير من الشروح، وسأتحدث فيما بعد عن طريقته.
شؤون أم شئون ؟
الرسم الأول هو الصحيح،فكلمة شؤون على وزن فعول كقلب وقلوب من أربعة أحرف باعتبار أن الواو الأولى كرسي للهمزة فقط، ولا تُعد من ضمن حروف الكلمة لأن صوت الهمزة بحركة الضم لم تسبقه كسرة فتكون الغلبة حينئذ للضمة، فتكتب الهمزة على واو. فحروف الكلمة هي : الشين والهمزة والواو والنون. فالهمزة تقابل العين في فعول والواو الثانية تقابل الواو فيها، إذن الواو الأولى فى شؤون الذى تجلس علية الهمزة هو مثل الكرسي الذي تجلس عليه الهمزة فى (سأل) الذى هو الألف،مثلها مثل كرسى الهمزة فـى مـثل (مسائل) الذى هو الياء الموصولة غير المنقوطة (1)، ومثلها (ملتجئ) و (امرئ) على ياء متطرفة،وقد كتبت هاتان الهمزتان الأخيرتان على أقصى نهاية الياء لأن الحرف الذى قبلهما مكسور بخلاف همزة (شىء)(2)التى تكتب مفردة على السطر، لأن الحرف الذى قبلها ساكن وأصلى وليس كرسيا للهمزة. فعلى النحو السابق تكتب (شؤون) بواوين خاصة أن الحرف الأول فيها وهو الشين حركتة ضمة مردفة بضمة أخرى على الهمزة مما يقوى علاقة الواو ووجوب رسمها ككرسى للهمزة، والمعلوم أن الضمة تستدعى الواو والفتحة تستدعى الألف والكسرة تستدعى الياء فالحركات أبعاض الحروف.(3) كذلك الشأن فى رؤوس، فرأس ساكن الوسط أيضا يجمع على رؤوس كشأن وشؤون سواء بسواء على فعل وفعول كوزن من أوزان الكثرة فى جمع التكسير.
النبــرة :
النبرة هى السن البارزة التى ترتكز عليهاالهمزة،أوهى الياء الموصولة غير المنقوطة، وهذه هى التسمية السائدة نظرا لأن بعض العرب يسهلون الهمزة فينطقونها بصورة الحرف الذى ترتكز عليه،فأهل الحجاز يقولون مثلا فى خطيئة (خطية) وفى مسائل (مسايل).(4)
يقول سيبوية : (فعل بها ذلك لأنها بعيدة المخرج،ولأ نها نبرة فى الصدر تخرج باجتهاد)(5)
          ويقول ابن سيده فى المخصص: (أكثر العرب يحققون الهمزة) أى ينطقونها، أما رسمها فلم يعرف الا فى عصر الخليل بن أحمد الفراهيدى، فهو الذى ابتكرها (6)، والنبرة إذا كانت مستحدثة كما يقول صاحب كتاب (نتيجة الإملاء وقواعد الترقيم)(7)وغيره(8)، فهم يقولون أن النبرة من زيادة المتأخرين لتحسين الخط، فإن ذلك كلام فية تحفظ لأن النبرة موجودة قبل اختراع الهمزة والنقط وإلا لما جعلوا حرف الألف فى (مائة) من زيادات الألف فى باب زيادات الحروف، يقول  صاحب نتيجة (الإملاء وقواعد الترقيم) نفسه(9) قالوا: (إنما زيدت الألف فى مائة للفرق بينها وبين منه، وإنما جاءهم هذا من عدم كتابة الهمزة).
وهذا الكلام يؤيد فكرة وجودها، إذ أنه من المنطق بمكان زيادتهم لألف (مائة) وإلا ما استطاعوا أن يفرقوا بينها وبين كلمة (منه) فى الكتابة القديمة قبل الهمزة والتنقيط ـ كذلك ما كانوا ليفرقوا بين كلمة (فيه) و(فئة) لولا ذلك، إضافة إلى أن النبرة عبارة عن سن، كأى سن، موجودة من قبل فى الباء الموصولة والياء والنون وغيرهم ..
أما كتابة (شئون) على النبرة كما نراها فى كتابات كثيرة رسمية وغيررسمية فهو خطأ شائع كثر دورانة , ولا يتمشى مع وتيرة القاعدة الإملائية،والسبب فى ذلك إما أن يرجع الى عدم مبالاة بعض الكتاب بالتطور الإملائى أو الى جهل فى النواحى الصرفية التى تعالج بناء الكلمة.هذا مع ملاحظة أن القرآن الكريم لايوجد فيه كلمة (شؤون) أوكلمة مثلها،"وأنهم اغتفروا فى الهمزة مالا يغتفرون فى غيرها،إلا أن المشارقة خاصة دون المغاربة قد كتبوا المصحف على ما أحدثة الناس من الهجاء"(10).
يقول صاحب كتاب (الرسم الإملائى) فى نفس الموضوع أى أسباب الخطأ :" والسبب فى ذلك ماشاع من أخطاء بالإضافة الى اختلاف درجات الثقافة والتمكن من ناحية اللغة العربية (11).
وحيث أن الهمزة إذا وقعت فى وسط الكلمة لابد لها من كرسى ؛ ألف أو واو أو ياء وإلا سميت مفردة على السطر، وليس (شئون) من ذلك فى شيء ؛ فليس الحرف الذى قبل الهمزة مكسورا حتى يلائم الياء , أو الهمزة نفسها مكسورة حتى تلائم الياء , فمكان النبرة هو مكان الياء أو حسب تسهيل الهمزة وليست نبرة (شئون) مكانا  للياء , فلا يصح أن تقول (شيون) مثلا , كما تقول  في (مسائل) (مسايل) ¸ وحتى وإن صحَ ذلك فلا مكان للنبرة (الياء)(12) إلا بكسر الشين أو الهمزة حسب القاعدة الإملائية , وهذا ينعدم في (شئون) المفترضة.
 بعض الآراء: 
هناك من يقول(13) إن سبب وجود الواوين فى شؤون هوأمن اللبس بغير الممدود مثل: لؤم وتثاؤب ويؤم وهى كلمات غير ممدودة لعدم وجود واو مد كما فى (شؤون وسؤول وقؤول).. ولكنة يعود ويقول : (وذلك اللبس لايتأتى مع وجود النبرة التى استحدثت) وهو قول سبق رده.
هذا , ومن احتجَ باستحداث النبرة مكان صورة الهمزة تحتم عليه أن يكتب (يقرؤون ويبدؤون ورؤوف) على نبرا ت أيضا تبعا لذلك ؛ أى يكتبها هكذا (يقرئون , يبدئون، رئوف) وهذابعيد كل البعد عن الصحيح ؛ لانعدام الكسرة على الهمزة أو الحرف الذى قبلها.
وهناك من اختار كتابة (شؤون) و مثيلاتها على نبرة فحسب دون التعليق عليها(14)بتوجيه
 كتابتها على الواو من عدمة أوسبب كتابتها على النبرة دون غيرها. فالتعليق والشرح يفيدان الباحث والمطلع أو يقنعاهما  فى معرفة الحقيقة. وهناك من يختار كتابتها على واو(15) وهو المذهب الصحيح فى رسم الهمزة المتوسطة المضمومة والمسبوقة بضم أوفتح , ولكنه فى آخر شرحة ينبه إلى أن بعض الكتاب يكتبون همزة مثل رؤوف ورؤوس مفردة على السطر هكذا: ((رءوس ـ رءوف) دون أن يبين رأيه في أحقيه ذلك من عدمه أى إن المشكلة ماتزال قائمة
 هذا كما يجيز أحمد قبش(16) كتابتها على السطر إذا كان ما قبلها لا يتصل بما بعدها وهو رأى ولكن يتعارض مع ما سبق.    
رؤوس ورؤوف أم رءوس ورءوف ؟
الرسمان الأوليان هما الصحيحان , وفى الواقع أن كتابة الهمزة مفردة هكذا (رءوس ـ رءوف) كتابة موافقة للمصحف الشريف , فمن المعروف أن خط المصحف لايقاس علية فى غير القرآن , وإنما نقل كما هو للتبرك به وللمحافظة على رسم الأولين دون إدخال التطورات الحديثة فى الخط , سئل مالك بن أنس ـ رحمة الله ـ عما إذا كان يرى إدخال ما استحدثة الناس من الهجاء فى المصحف , فرد بالنفي ؛ لأن فى ذلك تجهيل الناس بأولية ما فى الطبقة الأولى , وهو خبر مشهور.(17)..هذا -  وإن اتضحت طريقة المصحف فى كلمات أكثر شهرة مثل السموات والصلوات والرحمن والله ولكن وأولئك وذلك   الى آخر أمثال هذه الكلمات. ومن الكتب التى تصدت لمثل هذه الكلمات كتاب : (شرح تلخيص الفوائد وتقريب المتباعد) لأبى البقاء القاصح عند شرحة لقصيدة الشاطبى فى علم الرسم , ولكنه اكتفى فى الغالب بإيراد هذه الكلمات وغيرها دون بيان سبب رسمها هكذا , اللهم إلا بعض التفسيرا ت غير المقنعة مثل التلميح للأصل فى واو الصلوة من الصلوين والزكوة من زكا يزكو والحيوت من الحيوان(18). 
يقرؤون أم يقرءون أم يقرأون ؟
الرسم الأول هو الصحيح وقد كتبت (يقرؤون) بالرسومات الثلاث، وهب نفسك مدرسا تصحيح للتلاميذ نصا يحتوى على الكلمة نفسها , وكل مجموعة منهم كتبت برسم فأيَهم تقر؟ إنة أمر يحيَر التلميذ ويربكه، ولاتعدم أن تجد منهم من يقول لك إنه وجد نفس الرسم فى كتاب النحو أو القراءة فأيقن أنه الصحيح لأن تلك الكتب بالذات مدروسة دراسة محضة.
وقد رأيت ـ على سبيل المثال لا االحصرـ كثيرا من العلماء المختصين الذين لايمكن أن يقدح فى عملهم ببساطة , قد ارتضوا كتابتها مفردة على السطر منها كتاب (هداية الطالب فى الصرف لأحمد المراغى) , وفى باب الإسناد بالذات , وتواتر ذلك فىبقية الأبواب أى هكذا (تقرءون). ومنها أيضا كتاب (القواعد الأساسية) المقرر على السنة الثالثة الثانوية.
كما نجد الدكتور عماد حاتم فى كتابه (اللغة العربية قواعد ونصوص) قد كتبها فى جدول التصريف (يقرؤون) عدة , مرات ثم كتبها فى التمرين التطبيقى فى نفس الكتاب على ألف هكذا (يقرأون) عدة مرات أيضا(19).
وأرى أن كتب النحو والصرف بالذات كتب متخصصة تعالج الألفاظ وبناء الجملة حقيق بها أن تلتزم التزاما دقيقا بالرسم المشهور.
ولقد اطلعت على كتب أخرى تعالج الاملاء أذكر منها كتاب (المعين فى الاعراب والعروض) للدكتور محمد التونجى، وكتاب (فن الاملاء) للدكتور عدنان قاسم، إلا أن الكتابين كليهما لم يتعرضا للكلمات الملبس فيها التى تحتمل أكثر من رسم كالتى نحن بصددها وإن كان كتاب المعين يتعرض لبعضها دون تعليل.
ثم اطلعت على كتاب الرسم الاملائى لمحمد أبي القاسم على، وحقيقة أن نتيجة خبرتة ومعاناته قد ظهرت فى كتابه، إذ تعرض بصورة منطقية لما نعول عليه، فقد ربط كل همزة متوسطة بحركتها هى وحركة الحرف الذى قبلها حسب الحركة الأقوى , حيث الكسرة هى الحركة الأقوى، تليها الضمة فالفتحة، أما السكون (أى عدم الحركة) فلا تحكم له(20)
فاذا كانت الهمزة مكسورة أوكسر الحرف الذى قبلها رسمت على نبرة, مثل (يئس) و(رئة) ومثل (سنقرئك). المهم أن الكسرة أقوى الحركات وتهيمن على الضمة والفتحة، سواء كانت على الهمزة أوعلى الحرف الذى قبلها مثل :
1)     تقرئين ومئين، فالهمزة والحرف الذى قبلها مكسوران فيحتم كتابتها على النبرة.
2)      سئل وأسئلة، الهمزة فقط مكسورة فيتوجب كتابتها أيضا على النبرة , لأن الكسرة أقوى من الضمة والسكون.
3)  مئذنة ورئيس، كسرت الميم فى مئذنة والهمزة فى رئيس فرسمتا على نبرة لأن الكسرة أقوى من السكون والفتحة. وتطبيقا لهذة القاعده عنده فإن همزة (هيئة)وهمزة(حطيئة)  لا تكتبان على نبرة لانعدام الكسرة، بل تكتبان على الألف هكذا (هيأة وحطيأة)(21) ؛ لأن الهمزة مفتوحة ولم تتأثر بكسر قبلها، بل قبلها السكون وهو ليس بحاجز قوى أما الضمة فهى ثانى الحركات من حيث القوة , وتحتم رسم الهمزة على الواو إن لم تشاركها كسرة فاذا كانت الهمزة مضمومة وكان الحرف الذى قبلها مضموما أومفتوحا أو ساكنا رسمت على الواو مثل : شؤون ورؤوف ومسؤول .
وكذلك العكس،أى إذا كانت الهمزة مفتوحة أو ساكنة والحرف الذى قبلها مضموما مثل: سؤال ومؤمن.. أما الفتحة فهى أضعف الحركات قوة ولكنها تحسم الموقف فى رسم الهمزة على الألف اذا لم تشاركها اختاها الكسرة أوالضمة على الهمزة أوعلى الحرف الذى قبلها، فاذا كانت الهمزة مفتوحة أوساكنة والحرف الذى قبلها مفتوحا أوساكنا ترسم الهمزة على الألف مثل : سأل ـ يألف ـ مسألة..
وقد ذكر صاحب كتاب الهداية الى ضوابط الكتابة كتابة (مسألة) على النبرة هكذا  (مسئلة) معللا ذلك بكثرة استعمالها(ص21)، كما أجاز صاحب كتاب نتيجة الإملاء وقواعد الترقيم نفس الرسم الثانى معللا ذلك بكثرة الدوران(ص11).
وفى الواقع أن عبارتى (كثرة الاستعمال وكثرة الدوران تعليلات) غير علمية، فمثل هذه التجاوزات جزء من الأسباب التى أوقعتنا فى اللبس وجعلت للكلمة الواحدة أكثر من رسم والحقيقة أن كتاب (الرسم الاملائى) هو أنسب الكتب التى اطلعت عليها , والتى تحسم الخلاف فى رسم الهمزة المتوسطة حيث لم يستعمل الكاتب كلمة (يجوز) أو (يقال) أو (لابأس من..) بل أثبت قاعدة وسار على دربها ولم يحد عنها , فالحركات ثلاث تتدرج من حيث القوة:من كسرة فضمة ففتحة، والذى يعيَن كرسى الهمزة هما حركة الهمزة وحركة الحرف الذى قبلها.. فاذا اجتمعت الكسرة والضمة كانت الغلبة للكسرة، لأنها الأقوى , فترسم الهمزة حينئذ على واو، أما اذا استقلت الفتحة وحدها دون الحركتين الكسرة والفتحة فترسم الهمزة على ألف ولا تأثير للسكون مع الحركات الثلاث.
وقد أثبت صاحب كتاب الهداية الى ضوابط  المتابة قوة الكسر فالضمة فالفتحة، حيث أشار الى ذلك بعنوان (مبدأ مهم) ولكنة لم يطبق ذلك فى كتابه(ص27). 
ماذ يجب أن نفعل ؟
قد لوحظ الخلط بين كتابة المصحف والكتابة الاصطلاحية , فيجب علينا حيال ذلك كتابة المصحف الجامع بالخط العثمانى وكتابة القرآن الكريم عند تعليمة حسب القواعد العامة للإملاء حتى لانقع فى الحرج مع النشء , ومع الأجانب الذين يعتنقون الدين الإسلامى ويتعلمون اللغة العربية , ولا إثم فى ذلك ولا ضير طالما قلوبنا عامرة بالإيمان , ولا تريد  إلا الخير، فتطوير الخط ماهو إلا زيادة بيان , والإسلام يحب البيان والتوضيح فى جميع أموره , خاصة أن الكتابة الاصطلاحية لا تخل بعلامات الضبط فى القرآن، ثم إنها تؤمَن اللبس وتمنع تعدد رسم الكلمة الواحدة.
وقد نادى بعض العلماء الأفذاذ أو جنحوا الى كتابة القرآن الكريم على ما أحدثة الناس من الهجاء ؛ ومن هؤلاء الذين نادوا ابن خلدون والقاضى أبوبكر الباقلانى. ومن الذين جنحوا الى ذلك الشيخ العزبن عبدالسلام(22).وقد استدل هؤلاء بأن الرسول ـ صلىالله عليه وسلم ـ لم يحث على رسم معين..كما إن الخطوط والرسوم ليست إلا إمارات وعلامات، فكل رسم يدل على   الكلمة هو رسم صحيح إلا إن جل العلماء يتهيبون فى مخالفة الرسم العثمانى , وعلى رأسهم الإمام مالك بن أنس , إمام دار الهجرة، حيث تحمس له المغارية بوجه خاص.
نافــذة خـلاف :
المعروف إن الخلاف فى الرسم كان يجري حتى بين العلماء الكبار, فمثلا نجد سيبويه ـ رحمه الله ـ يكتب كل همزة متوسطة مضمومة على واو دون النظرالى قوة الحركة، فكلمة (سنقرئك) ترسم عنده هكذا(سنقرءك)(23) خلافا للأخفش , فإنة يكتبها حسب الرسم الأول، وهو ما استقر عليه الرأى فى الخط الاصطلاحى ؛ فسيبوية والأخفش والخليل ومن فى طبقتهم علماء يعتد بحجتهم لاريب , فما من دارس للعربية إلا وآخذ بطرف من ثمار عقولهم ونتاج قرائحهم , فاستحقوا بذلك تقدير الناس واحترامهم دون تكلف أومجاملة. وما كان ذلك إلا لأنهم كانوا صفوة مجتمعهم، فقد عملوا على إحياء الدين وعلوم العربية عن طريق شواهدهم وشروحهم واستنتاجاتهم، وأنفقوا فى ذلك جهدا  مضنيا وزمنا طويلا.ونحن عندما نأخذ بأفكارهم كعلماء لهم فضلهم، نقول أن الخط ليس فكرا محضا , وانماهو صناعة وفن، فهو تصوير اللفظ بحروف هجائة بحيث يوافق المكتوب المنطوق فهو قابل للتطور طالما المكتوب يوافق المنطوق.
ومن المعلوم أن الخط العربى قد تطور على يد علماء العراقين (البصرة والكوفة)، وقد أدخل هذا التطور فى المصحف دون اعتراض , مثل الحركات والنقط والشدة والهمزة والسكون يقول صاحب كتاب تاريخ المصحف الشريف : (لقدكان لهذ العمل المجيد، وهو نقط المصحف وشكلة أحسن الأثر وأجل النفع فى حفظ كيان الكتاب الحكيم ووقايتة من كل تشويه)(23). وعلى الرغم من هذا التطور الذى حصل فقد بقيت الأ لفاظ هى الألفاظ والقرآن هو القرآن , كما ُيلفظ وُيقرأ، كذلك الشعر الجاهلى والإسلامي , وكل التراث الذى نقل الينا نظما ونثرا.
ثم تطور الخط بعد علماء العراقين على يد صناع آخرين أمثال ابن مقلة وابن البواب ,حتى أخرجوا الخط بالصورة التى هو عليها الآن. فالتطور قد لحق سائر العلوم الأخرى، فذاك فتح بابه، وهذا برع واجتهد فية وأدخل قواعد وأشياء جديدة مفيدة يقول الأستاذ : محمد أحمد برانق فى كتابة (النحو المنهجى) بأن الفرَاء يقول : (مات الكسائى وهو لا يحسن حد نعم وبئس وأن المفتوحة , ولم يكن الخليل يحسن النداء ولا سيبوية يدرى حد التعجب (24).فجاء بعدهم علماء آخرون أتموا ما بنوه من علوم وهكذة نهج التطور فى كل علم وفن..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش:
1)      انظر إلى سبب تسميتها ياء عند الحديث  عن النبرة.
2)      إبراهيم عبد المطلب ـ الهداية إلى ضوابط الكتابة ـ مركز الشرق الأوسط 1962 ـ ط6، ص22.
3)      د. محمد مصطفى رضوان ـ منشورات جامعة قاريونس 1976 ـ ص 244.
4)      سيبويه ـ الكتاب ـ مؤسسة الأعلمي للمطبوعات 1967 ـ ج3 ـ ط2 ـ ص 166.
5)      نفسه ـ ص166.
6)      الهداية إلى ضوابط الكتابة ـ ص11.
7)      مصطفى عناني بك ـ نتيجة الإملاء وقواعد الترقيم ـ مطبعة حجازي 1937 ـ ط2 ـ ص 11.
8)      أحمد قبش ـ الإملاء العربي ـ دار الرشيد 1974 ـ ص39.
9)      نتيجة الإملاء وقواعد الترقيم ـ ص25.
10)  أحمد الحملاوي ـ شذا العرف في فن الصرف ـ مطبعة البابي الحلبي 1964ـ ط15 ـ ص183.
11)  محمد أبو القاسم علي ـ الرسم الإملائي ـ الدار الجماهيرية 1984 ـ ص17.
12)  تطلق النبرة على الهمزة، وعلى الهمزة تطلق الألف (انظر : أحمد قبش في الإملاء العربي ص29).
13)  الهداية إلى ضوابط الكتاب ـ ص20.
14)  نتيجة الإملاء وقواعد الترقيم  ـ ص10.
15)  أحمد عباس ـ مرشد الطلاب لقواعد الكتاب ـ مطبعة السعادة 1914 ـ ص8.
16)  الإملاء العربي ـ ص51.
17)  د. إبراهيم البنا ـ ابن كيسان النحوي ـ دار الاعتصام 1975 ـ ص64.
18)  أبو البقاء القاصح ـ تلخيص الفوائد وتقريب المتباعد ـ بدون تاريخ ـ ص81.
19)  د. عماد حاتم ـ اللغة العربية قواعد ونصوص ـ الدار الجماهيرية 1979 ـ ص 198، 222.
20)  الرسم الإملائي ـ ص22.
21)  نفسه ص 22.
22)  عبد الفتاح القاضي ـ تاريخ المصحف الشريف ـ مطبعة عطايا  1951 ـ ص49.
23)  الهداية إلى ضوابط الكتابة ص19.
24)  محمد أحمد برانق ـ النحو المنهجي ـ مطبعة لجنة البيان العربي ـ بدون تاريخ ـ ص24.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق