الثلاثاء، 22 نوفمبر 2011

الحاج عمر المسماري وهوامش منسية

الحاج عمر المسماري .. وهوامش منسيّة
د. عبدالجواد عباس

وجه من وجوه البيضاء العتيقة واراه التراب.. رمزٌ من رموزها المعروفة بامتياز مئة عام من الذكريات.. مائة عام جديرة بالكتابة.. جديرة باللمحة عنها.. إنها سجل حافل بالأحداث وتاريخ الزمن والبلاد.. الحاج عمر معروف بمشيته الرزينة وقامته الفارعة.. معروف بأناقته البهية وجلوسه أمام محاله ومحال أصدقائه الذين بحبهم ويحبونه.. أكثرهم مضى إلى حيث مضى.. أصدقاؤه ومجايلوه الحقيقيون رحلوا كلهم خلال الأربعين سنة الماضية.. كان له معهم مزاح لطيف.. يتحملهم ويتحملونه مقالبه معهم مشهورة، تكاد تكتب بالمداد.. ذِكْرُ الحاج عمر يذكّرك برجال آخرين كان يعرفهم ويعرفونه..هم بعض رجال أبقتهم الحرب العالمية الثانية.. كان لهم في مزاحهم اجترار العناء وراحة المحارب.. هم رجال عرفتهم البيضاء أو كانت تعرفهم على يد الجيل الثاني الذين هم نحن.. من هؤلاء الرجال الذين كانوا أقرب إلى وجدان الحاج عمر شخصيات مشهورة كعبد السلام افحيمة واحميده اشنابو وحوسات القطعاني والحاج صمد وجادالله العض وأبوشبيرقه وأبوحازق وأبولدايخ وصالح بودهيم وحمد المسماري والهامل وبو القصير وصاحبي المقهى عبدالمولى وعبدكريم  الملقب بفم الشوال وإدريس عريف والهجين صائغ الذهب والفضة، وربما دخل في هذه المجموعة تجار مثل الزاقر وأعلومة وفرج حبحب والغشيم والحصان وفرج اكروش ومحمود الشوبكي وطاهر حفالش وفالح الجزار والعطار التونسي.. وربما دار الحديث بين هؤلاء عن شخصيات منطوية وراء الظل كالمرغني والفشك واغنيوه.
هؤلاء بعضهم كان بشكل أو بآخر تجار السوق القديم في فترة الخمسينيات من القرن الماضي وربما قبلها بكثير، فأنا في الحادية والستين الآن، وقد احتسبت فقط الفترة التي فَتحْتُ فيها عينيَّ على العالم فوجدتهم.. وجدت هذه الشخصيات التي ذكرتها، وكان الحاج عمر من أبرزهم..نعم (الحاج) هكذا كنا ننعته وهكذا عرفناه بهذا الاسم منذ نعومة أظفارنا لأنه كان قد أدّى فريضة الحج في بداية الثلاثينيات إبان العهد الإيطالي.. منذ أن عرفناه في طفولتنا، رأيناه رجلا سمة النعيم تشعّ على وجهه باستمرار، بلباسه العربي الشديد البياض ذي النوع الفاخر دائما، وحتى الآن ما عرفنا أحدا يباريه في النظافة والقيافة العربية الأصيلة.. لم يتخلّف عن هذه الهيئة يوما، بمشيته الهادئة من أمام الدكاكين وربما لاطش أحدهم بكلمة أو كلمتين وهو في ذلك يبتسم حتى يصل إلى وسط السوق ومستقر التجّار فيختار هناك مقعدا بينهم فتكون بذلك القعدة والجلسة وسط استبشار الآخرين.
الحاج عمر لا يعرف اليأس ولا الملل.. كان متفائلا إلى درجة السخرية، السخرية الممزوجة بالمزاح هي ديدنه.. حاضر البديهة في ردوده المشهورة على أحميده اشنابو وعبدالسلام افحيمة التي كثيرا ما تنتهي بخيبة أمل حميدة ومستظرفة..والحاج عمر على صلة وثيقة أيضا بشخصيات مشهورة أخرى دينية وإدارية وعسكرية كان لها دور في الخمسينيات مثل أبوالقاسم الغرياني القاضي والفقيه علي بوغزيل والشيخ عمر الهمامي وتستدعي الذاكرة أصحاب وظائف إدارية كان يعرفها الحاج عمر المسماري كمدري المدرسة محمود الديباني ويونس بوسويق والمتصرف بوشريدة وعميد البلدية احميدة العلمي ومدير العمل صالح الجياش و مراقب الصحة صالح الكليلي ومسئول الحرس البلدي عيسى الشاظوف.. وبالتأكيد له صلة بجيرانه الأقربين كمفتاح بوشحمة والطرقي ومفتاح بوشاح ومحمود بوقويطين وفرج حبحب كما له معرفة وثيقة بشخصيات عسكرية كالحكمدار المكحل وضابطي المركز مفتاح بونصيرة وابراهيم التواتي ورتب أخرى كالأشهب محمود وسعدان الطقطوق واسكندة وغيرهم.
وتستدعي الذاكرة أيضا شخصيات أخرى كان الحاج عمر على دراية بها، وقد كان لها وجود واضح في الخمسينيات وهي ما يتكون منها عنصر الخدمات للسوق القديم كالتاجر محمود سكتة وابريك تربح، والشريف بو الحاسية وأحمد بو العريضة وذوي الأعمال الحرفية كالخبّاز بوعتيق والحلاق مصطفى عبدالسلام والحداد بشير وصاحب المطحن على السنوسي ومصلح الدراجات الهوائية ومؤجرها عاقوب السلكليتسي وبعده الحاج ثابت.. هذا هو مجتمع البيضاء القديمة الذي عاش في وسطه الحاج عمر المسماري وكان له معه سيرة حسنة بالشهامة والمروءة والصبر.
رحم الله الحاج عمر كان وجها من وجوه المدينة المهابين.. فقد كان إلى جانب كياسته ومزاحه تقيا، يخاف الله ويعطف على المحتاجين فضلا عن كونه رجلا من رجالات الصلح والتوفيق بين الناس وغيرها من أعمال البر التي سيجد ثوابها عند خالقه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق